الباحث القرآني

أَسْكِنُوهُنَّ وما بعده: بيان لما شرط من التقوى في قوله وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ كأنه قيل: كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات؟ فقيل: أسكنوهن. فإن قلت: من في مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ ما هي؟ قلت: هي من التبعيضية مبعضها محذوف [[قوله «مبعضها محذوف معناه» قد يقال: مبعضها هو مدخولها، وهو حَيْثُ سَكَنْتُمْ بمعنى مكان سكناهم فلا حذف، إلا أن يراد بمبعضها البعض المدلول عليه بها. (ع)]] معناه: أسكنوهن مكانا من حيث سكنتم، أى بعض مكان سكناكم، كقوله تعالى يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ أى بعض أبصارهم. قال قتادة: إن لم يكن إلا بيت واحد، فأسكنها في بعض جوانبه. فإن قلت: فقوله مِنْ وُجْدِكُمْ؟ [[قوله «فان قلت فقوله من وجدكم» لعل عقبه سقطا تقديره. ما موقعه؟ (ع)]] قلت: هو عطف بيان لقوله مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ وتفسير له، كأنه قيل: أسكنوهن مكانا من مسكنكم مما تطيقونه. والوجد: الوسع والطاقة. وقرئ بالحركات الثلاث. والكنى والنفقة: واجبتان لكل مطلقة. وعند مالك والشافعي: ليس للمبتوتة إلا السكنى ولا نفقة لها. وعن الحسن وحماد: لا نفقة لها ولا سكنى، لحديث فاطمة بنت قيس: أن زوجها أبت طلاقها [[قوله «أن زوجها أبت طلاقها» لعله «بت» كما في النسفي. (ع)]] ، فقال لها رسول الله ﷺ: لا سكنى لك ولا نفقه [[أخرجه مسلم من طرق عنها. وفي رواية «فلم يجعل لها سكنى ولا نفقة» وفي رواية «لا نفقة لك ولا سكنى» وفي رواية «طلقني زوجي ثلاثا» .]] . وعن عمر رضى الله عنه: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لعلها نسيت أو شبه لها: سمعت النبي ﷺ يقول: «لها السكنى والنفقة» [[أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق أبى إسحاق قال «كنت مع الأسود ومعنا الشعبي في المسجد إذ حدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس. فأخذ الأسود كفا من حصا فحصبه به وقال: يا ويلك تحدث بمثل هذا؟ قال عمر: لا نترك كتاب ربنا وسغة نبينا لقول امرأة لعلها حفظت أو نسيت.]] وَلا تُضآرُّوهُنَّ ولا تستعملوا معهن الضرار لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ في المسكن ببعض الأسباب: من إنزال من لا يوافقهن، أو يشغل مكانهن، أو غير، ذلك، حتى تضطروهن إلى الخروج. وقيل: هو أن يراجعها إذا بقي من عدتها يومان ليضيق عليها أمرها. وقيل: هو أن يلجئها إلى أن تفتدى منه. فإن قلت: فإذا كانت كل مطلقة عندكم تجب لها النفقة، فما فائدة الشرط في قوله وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ [[قوله تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ إلى قوله: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ ... الآية. قال أحمد: لا يخفى على المتأمل لهذه الأى أن المبتوتة غير الحامل لا نفقة لها، لأن الآي سيقت لبيان الواجب، فأوجب السكنى لكل معتدة تقدم ذكرها ولم يوجب سواها، ثم استثنى الحوامل فخصهن بإيجاب النفقة لهن حتى يضعن حملهن، وليس بعد هذا البيان بيان، والقول بعد ذلك بوجوب النفقة لكل معتدة مبتوتة حاملا أو غير حامل لا يخفى منافرته لنظم الآية، والزمخشري نصر مذهب أبى حنيفة فقال: فائدة تخصيص الحوامل بالذكر: أن الحمل ربما طال أمده فيتوهم متوهم أن النفقة لا تجب بطوله، فخصت بالذكر تنبيها على قطع هذا الوهم، وغرض الزمخشري بذلك أن يحمل التخصيص على هذه الفائدة، كيلا يكون له مفهوم في إسقاط النفقة لغير الحوامل، لأن أبا حنيفة يسوى بين الجميع في وجوب النفقة.]] قلت: فائدته أن مدة الحمل ربما طالت فظن ظانّ أن النفقة تسقط إذا مضى مقدار عدة الحائل، فنفى ذلك الوهم. فإن قلت: فما تقول في الحامل المتوفى عنها؟ قلت: مختلف فيها، فأكثرهم على أنه لا نفقة لها، لوقوع الإجماع على أنّ من أجبر الرجل على النفقة عليه من امرأة أو ولد صغير لا يجب أن ينفق عليه من ماله بعد موته، فكذلك الحامل. وعن على وعبد الله وجماعة: أنهم أوجبوا نفقتها فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ يعنى هؤلاء المطلقات إن أرضعن لكم ولدا من غيرهنّ أو منهنّ بعد انقطاع عصمة الزوجية فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ حكمهنّ في ذلك حكم الأظآر [[قوله «في ذلك حكم الأظآر» الظئر: المرضع لولد غيرها، والجمع: ظؤار، بالضم. وظئور وأظآر، كما في الصحاح. (ع)]] ، ولا يجوز عند أبى حنيفة وأصحابه رضى الله عنهم الاستئجار إذا كان الولد منهن ما لم يبنّ. ويجوز عند الشافعي. الائتمار بمعنى التآمر، كالاشتوار بمعنى التشاور. يقال: ائتمر القوم وتآمروا، إذا أمر بعضهم بعضا. والمعنى: وليأمر بعضكم بعضا، والخطاب للآباء والأمهات بِمَعْرُوفٍ بجميل وهو المسامحة، وأن لا يماكس الأب ولا تعاسر الأم، لأنه ولدهما معا، وهما شريكان فيه وفي وجوب الإشفاق [[قوله «وفي وجوب الإشفاق» كذا عبارة النسفي. (ع)]] عليه وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى فستوجد ولا تعوز مرضعة غير الأم ترضعه، وفيه طرف من معاتبة الأم على المعاسرة، كما تقول لمن تستقضيه حاجة فيتوانى: سيقضيها غيرك [[قال محمود: «وفي قوله وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى معاتبة للأم على المعاسرة، كما تقول لمن تستقضيه حاجة ... الخ» قال أحمد: وخص الأم بالمعاتبة لأن المبذول من جهتها هو لبنها لولدها، وهو غير متمول ولا مضنون به في العرف، وخصوصا في الأم على الولد، ولا كذلك المبذول من جهة الأب، فانه المال المضنون به عادة، فالأم إذا أجدى باللوم وأحق بالعتب، والله أعلم.]] ، تريد: لن تبقى غير مقضية وأنت ملوم، وقوله لَهُ أى للأب، أى: سيجد الأب غير معاسرة ترضع له ولده إن عاسرته أمه لِيُنْفِقْ كل واحد من الموسر والمعسر ما بلغه وسعه يريد: ما أمر به من الإنفاق على المطلقات والمرضعات، كما قال وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ وقرئ لينفق بالنصب، أى شرعنا ذلك لينفق. وقرأ ابن أبى عبلة: قدر سَيَجْعَلُ اللَّهُ موعد لفقراء ذلك الوقت بفتح أبواب الرزق عليهم، أو لفقراء الأزواج إن أنفقوا ما قدروا عليه ولم يقصروا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب