الباحث القرآني

مدنية، وهي إحدى عشرة، أو اثنتا عشرة، أو ثلاث عشرة آية [نزلت بعد الإنسان] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ خص النبي ﷺ بالنداء وعم بالخطاب [[قال محمود: «خص النبي ﷺ بالنداء وعم بالخطاب ... الخ» قال أحمد: وعلى هذا الفرق جرى قوله تعالى حكاية عن فرعون: قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى فأفرد موسى عليه السلام بالنداء، لأنه كان أجل الاثنين عليهما السلام وعمهما بالخطاب. وقد تقدم فيه وجه آخر.]] ، لأنّ النبي إمام أمّته وقدوتهم، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان افعلوا كيت وكيت، إظهارا لتقدّمه واعتبارا لترؤسه، وأنه مدرة قومه [[قوله «وأنه مدرة قومه» في الصحاح العرب تسمى القرية مدرة اه، فالمعنى أنه بمنزلة القرية لقومه. (ع)]] ولسانهم، والذي يصدرون عن رأيه ولا يستبدّون بأمر دونه، فكان هو وحده في حكم كلهم، وسادّا مسدّ جميعهم. ومعنى إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ إذا أردتم تطليقهنّ وهممتم به على تنزيل المقبل على الأمر المشارف له منزلة الشارع فيه: كقوله عليه السلام «من قتل قتيلا فله سلبه» [[متفق عليه. وقد تقدم في أوائل البقرة.]] ومنه كان الماشي إلى الصلاة والمنتظر لها في حكم المصلى فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ فطلقوهن مستقبلات لعدتهن [[قال محمود: «ومعنى فطلقوهن مستقبلات لعدتهن ... الخ» قال أحمد: حمل القراءتين المستفيضة والشاذة على أن وقت الطلاق هو الوقت الذي تكون العدة مستقبلة بالنسبة إليه، وادعى أن ذلك معنى المستقبل فيها، ونظر اللام فيها باللام في قولك مؤرخا الليلة. الليلة بقيت من المحرم، وإنما يعنى أن العدة بالحيض: كل ذلك تحامل لمذهب أبى حنيفة في أن الأقراء الحيض، ولا يتم له ذلك، فقد استدل أصحابنا بالقراءة المستفيضة، وأكدوا الدلالة بالشاذة على أن الأقراء الأطهار. ووجه الاستدلال لها على ذلك: أن الله تعالى جعلى العدة- وإن كانت في الأصل مصدرا- ظرفا الطلاق المأمور به. وكثيرا ما تستعمل العرب المصادر ظرفا، مثل خفوق النجم ومقدم الحاج. وإذا كانت العدة ظرفا للطلاق المأمور به، وزمانه هو الطهر وفاقا، فالطهر عدة إذا. ونظير اللام هنا على التحقيق: اللام في قوله يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي وإنما تمنى أن لو عمل عملا في حياته، وقراءته عليه السلام: في قبل عدتهن، تحقق ذلك. فان قيل. الشيء جزء منه وداخل فيه وفي صفة مسح الرأس فأقبل بهما وأدبر، أى مسح قبل الرأس وهو مقدمها، فحينئذ قبل العدة جزء منها وهو الطهر.]] ، كقولك: أتيته لليلة بقيت من المحرم، أى: مستقبلا لها. وفي قراءة رسول الله ﷺ: في قبل عدّتهنّ، وإذا طلقت المرأة في الطهر المتقدم للقرء الأوّل من أقرائها، فقد طلقت مستقبلة لعدتها. والمراد: أن يطلقن في طهر لم يجامعن فيه [[قال محمود: «والمراد أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه ... الخ» قال أحمد: الأمر كما نقله، وضابط السنة عند مالك: أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه واحدة وهي غير معتدة. والآية تدل لمذهبه على تأويل المتقدمين جميعا، أما على تأويل الزمخشري وتفسيره المقيد بالاستقبال، فلأن الطلاق المأمور به أى المأذون فيه في الآية: مقيد بوقت تكون العدة مستقبلة بالنسبة إليه، وهذا يأبى وقوع الطلاق في أثناء العدة الماضي بعضها. وأما على تأويلنا فلأنه مقيد بزمان يكون أولا للعدة وقبلا لها، وهذا يأبى من وقوعه مرادفا في الطهر الثاني والثالث، غير أن البدعة عند مالك تتفاوت، فلا جرم قال إن طلقها في الحيض أجبر على الرجعة، فإن أبى ارتجع عليه الحاكم، وإن طلقها في طهر مسها فيه أو أردف الطلاق لم يجبره،]] ، ثم يخلين حتى تنقضي عدّتهنّ، وهذا أحسن الطلاق وأدخله في السنة وأبعده من الندم، ويدل عليه ما روى عن إبراهيم النخعي أنّ أصحاب رسول الله ﷺ كانوا يستحبون أن لا يطلقوا أزواجهم للسنة إلا واحدة، ثم لا يطلقوا غير ذلك حتى تنقضي العدّة، وكان أحسن عندهم من أن يطلق الرجل ثلاثا في ثلاثة أطهار. وقال مالك بن أنس رضى الله عنه: لا أعرف طلاق السنة إلا واحدة، وكان يكره الثلاث مجموعة كانت أو متفرقة. وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنما كرهوا ما زاد على الواحدة في طهر واحد، فأما مفرقا في الأطهار فلا، لما روى عن رسول الله ﷺ أنه قال لابن عمر حين طلق امرأته وهي حائض: ما هكذا أمرك الله، إنما السنة أن تستقبل الطهر استقبالا، وتطلقها لكل قرء تطليقة [[أخرجه الدارقطني من رواية عطاء الخراساني عن الحسن عن ابن عمر به، وأتم منه.]] وروى أنه قال لعمر: مر ابنك فليراجعها، ثم ليدعها حتى تحيض ثم تطهر، ثم ليطلقها إن شاء، فتلك العدّة التي أمر الله أن تطلق لها النساء [[متفق عليه من حديث ابن عمر رضى الله عنهما.]] . وعند الشافعي رضى الله عنه: لا بأس بإرسال الثلاث، وقال: لا أعرف في عدد الطلاق سنة ولا بدعة وهو مباح. فما لك تراعى في طلاق السنة الواحدة والوقت، وأبو حنيفة يراعى التفريق والوقت، والشافعي يراعى الوقت وحده. فإن قلت: هل يقع الطلاق المخالف للسنة؟ قلت: نعم، وهو آثم، لما روى عن النبي ﷺ أنّ رجلا طلق امرأته ثلاثا بين يديه، فقال، أتلعبون بكتاب الله وأنا بين أظهركم» . وفي حديث ابن عمر أنه قال: يا رسول الله، أرأيت لو طلقتها ثلاثا، فقال له: إذن عصيت وبانت منك امرأتك [[هو في آخر الحديث الثاني عند الدارقطني ولفظه «فقلت: يا رسول الله، أفرأيت لو طلقتها أثلاثا أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال: لا. كانت تبين منك، وكانت معصية» واللفظ الذي في الكتاب موقوف. في الصحيح على ابن عمر رضى الله عنهما.]] . وعن عمر رضى الله عنه أنه كان لا يؤتى برجل طلق امرأته ثلاثا إلا أوجعه ضربا. وأجاز ذلك عليه [[أخرجه ابن أبى شيبة وعبد الرزاق من رواية شقيق بن عبد الله عن أنس قال: كان عمر رضى الله عنه إذا أتى برجل طلق امرأته ثلاثا في مجلس أوجعه ضربا. وفرق بينهما» .]] . وعن سعيد بن المسيب وجماعة من التابعين: أنّ من خالف السنة في الطلاق فأوقعه في حيض أو ثلث لم يقع، وشبهوه بمن وكل غيره بطلاق السنة فخالف. فإن قلت: كيف تطلق للسنة التي لا تحيض لصغر أو كبر أو حمل وغير المدخول بها؟ قلت: الصغيرة والآيسة والحامل كلهن عند أبى حنيفة وأبى يوسف يفرق عليهن الثلاث في الأشهر، وخالفهما محمد وزفر في الحامل فقالا: لا تطلق للسنة إلا واحدة. وأما غير المدخول بها فلا تطلق للسنة إلا واحدة، ولا يراعى الوقت. فإن قلت: هل يكره أن تطلق المدخول بها واحدة بائنة؟ قلت: اختلفت الرواية فيه عن أصحابنا. والظاهر الكراهة. فإن قلت: قوله إذا طلقتم النساء عام يتناول المدخول بهن وغير المدخول بهن من ذوات الأقراء والآيسات والصغائر والحوامل، فكيف صحّ تخصيصه بذوات الأقراء المدخول بهن؟ قلت: لا عموم ثم ولا خصوص، ولكن النساء اسم جنس للإناث من الإنس، وهذه الجنسية معنى قائم في كلهن وفي بعضهن، فجاز أن يراد بالنساء هذا وذاك، فلما قيل فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ علم أنه أطلق على بعضهنّ وهنّ المدخول بهن من المعتدات بالحيض وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ واضبطوها بالحفظ وأكملوها ثلاثة أقراء مستقبلات كوامل لا نقصان فيهن [[قال محمود: «معناه أكملوا العدة أقراء ثلاثة مستوفاة» قال أحمد: وقوله وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ توطئة لقوله لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ حتى كأنه نهى عن الإخراج مرتين: مندرجا في العموم، ومفرد بالخصوص. وقد تقدمت أمثاله.]] لا تُخْرِجُوهُنَّ حتى تنقضي عدتهنّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ من مساكنهنّ التي يسكنها قبل العدة، وهي بيوت الأزواج، وأضيفت إليهنّ لاختصاصها بهنّ من حيث السكنى. فإن قلت: ما معنى الجمع بين إخراجهم أو خروجهن [[قوله «بين إخراجهم أو خروجهن» لعله: وخروجهن. (ع)]] ؟ قلت: معنى الإخراج [[قوله «قلت: معنى الإخراج» الأولى: معنى الجمع بينهما، وإلا فالأولى فيما يأتى، ومعنى الخروج: أن لا يخرجن بأنفسهن. (ع)]] : أن لا يخرجهن البعولة غضبا عليهن وكراهة لمساكنتهن، أو لحاجة لهم إلى المساكن، وأن لا يأذنوا لهنّ في الخروج إذا طلبن ذلك، إيذانا بأنّ إذنهم لا أثر له في رفع الحظر، ولا يخرجن بأنفسهن إن أردن ذلك إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ قرئ بفتح الياء وكسرها. قيل: هي الزنا، يعنى إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحد عليهن وقيل: إلا أن يطلقن على النشوز، والنشوز يسقط حقهنّ في السكنى. وقيل: إلا أن يبذون [[قوله «وقيل إلا أن يبذون» في الصحاح: البذاءة- بالمد: الفحش، تقول: بذوت على القوم وأبذيت، وقد بذو الرجل. (ع)]] فيحل إخراجهنّ لبذائهنّ، وتؤكده قراءة أبىّ: إلا أن يفحشن عليكم. وقيل: خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة في نفسه. الأمر الذي يحدثه الله: أن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها. ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه فيراجعها. والمعنى: فطلقوهنّ لعدتهن وأحصوا العدة، لعلكم ترغبون وتندمون فتراجعون فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ وهو آخر العدة وشارفنه، فأنتم بالخيار: إن شئتم فالرجعة والإمساك بالمعروف والإحسان، وإن شئتم فترك الرجعة والمفارقة واتقاء الضرار وهو أن يراجعها في آخر عدتها ثم يطلقها تطويلا للعدة عليها وتعذيبا لها وَأَشْهِدُوا يعنى عند الرجعة والفرقة جميعا. وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبى حنيفة كقوله وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وعند الشافعي: هو واجب في الرجعة مندوب إليه في الفرقة. وقيل: فائدة الإشهاد أن لا يقع بينهما التجاحد، وأن لا يتهم في إمساكها، ولئلا يموت أحدهما فيدعى الباقي ثبوت الزوجية ليرث مِنْكُمْ قال الحسن: من المسلمين. وعن قتادة: من أحراركم لِلَّهِ لوجهه خالصا، وذلك أن تقيموها لا للمشهود له ولا للمشهود عليه، ولا لغرض من الأغراض سوى إقامة الحق ودفع الظلم، كقوله تعالى كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أى ذلِكُمْ الحث على إقامة الشهادة لوجه الله ولأجل القيام بالقسط يُوعَظُ بِهِ...... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يجوز أن تكون جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق من إجراء أمر الطلاق على السنة، وطريقه الأحسن والأبعد من الندم، ويكون المعنى: ومن يتق الله فطلق للسنة ولم يضار المعتدة ولم يخرجها من مسكنها واحتاط فأشهد يَجْعَلْ الله لَهُ مَخْرَجاً مما في شأن الأزواج من الغموم والوقوع في المضايق، ويفرج عنه وينفس ويعطه الخلاص وَيَرْزُقْهُ من وجه لا يخطره بباله ولا يحتسبه إن أو في المهر وأدى الحقوق والنفقات وقل ماله. وعن النبي ﷺ أنه سئل عمن طلق ثلاثا أو ألفا، هل له من مخرج؟ فتلاها [[أخرجه الدارقطني والطبراني وابن مردويه من طريق عبيد الله بن الوليد وغيره عن إبراهيم بن عبد الله ابن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده. قال «طلق بعض آبائي امرأته ألفا فانطلق بنوه، فقالوا: يا رسول الله إن أبانا طلق أمنا ألفا. فهل له مخرج. فقال: إن أباكم لم يتق الله فيجعل له مخرجا- الحديث» وفي إسناده جماعة من الضعفاء. رواه إسحاق في مسنده عن ابن إدريس عن عبيد الله بن الوليد عن داود بن إبراهيم عن عبادة بن الصامت كذا قال.]] . وعن ابن عباس أنه سئل عن ذلك فقال: لم تتق الله فلم يجعل لك مخرجا، بانت منك بثلاث والزيادة إثم في عنقك. ويجوز أن يجاء بها على سبيل الاستطراد عند ذكر قوله ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ يعنى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ومخلصا من غموم الدنيا والآخرة. وعن النبي ﷺ أنه قرأها فقال: مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة [[أخرجه الثعلبي والواحدي من رواية سعيد بن راشد عن عبد الله بن سعيد بن أبى هند عن زيد بن أسلم عن عطاء عن ابن عباس به مرفوعا. ورواه أبو نعيم موقوفا على قتادة في ترجمته في الحلية.]] . وقال عليه السلام: إنى لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ... فما زال يقرؤها ويعيدها [[أخرجه أحمد في الزهد وابن ماجة وابن حبان والحاكم من طريق ابن السلبل حزيب بن مغير عن أبى ذر مرفوعا]] . وروى أنّ عوف بن مالك الأشجعى أسر المشركون ابنا له يسمى سالما. فأتى رسول الله فقال: أسر ابني وشكا إليه الفاقة، فقال: ما أمسى عند آل محمد إلا مدّ فاتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوّة إلا بالله، ففعل فبينا هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل تغفل عنها العدو فاستاقها، فنزلت هذه الآية [[أخرجه الثعلبي من طريق الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس قال «جاء عوف بن مالك الأشجعى إلى النبي ﷺ فذكره نحوه. ولم يسم الابن، لكن قال: أنه أحضر أربعة آلاف شاة ورواه البيهقي في الدلائل من طريق أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه نحوه. وفيه فلم يلبث الرجل أن رد الله عليه ابنه وإبله أو فر ما كانت. فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره فقام على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأمرهم بمسألة الله والرغبة إليه. وقرأ عليهم وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ- الآية وروى الحاكم من طريق سالم بن الجعد عن جابر قال «نزلت هذه الآية في رجل من أشجع كان فقيرا خفيف ذات اليد كثير العيال، فأتى رسول الله ﷺ فسأله. فقال: اتق الله واصبر، فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاء ابن له بغنم كان العدو أصابها. فذكره مختصرا. وفيه عبيد بن كثير تركه الأزدى وعباد عن يعقوب. وهو رافضي.]] بالِغُ أَمْرِهِ أى يبلغ ما يريد لا يفوته مراد ولا يعجزه مطلوب. وقرئ: بالغ أمره بالإضافة، وبالغ أمره: بالرفع، أى: نافذ أمره وقرأ المفضل: بالغا أمره، على أنّ قوله قَدْ جَعَلَ اللَّهُ خبر إن، وبالغا حال قَدْراً تقديرا وتوقيتا. وهذا بيان لوجوب التوكل على الله [[قال محمود: «قوله بالِغُ أَمْرِهِ بيان لوجوب التوكل على الله، وتفويض الأمر إليه ... الخ» قال أحمد: ليس بعشك فادرجى أيراه القدري، وأين التسليم للقدر وليس هذا دينه ولا معتقده من تقسيم الحوادث ثلاثة أقسام: فمنها ما يريد الله تعالى وجوده وهو المأمورات ولا يقع أكثر مراده منها، ومنها ما يريد عدمه وهو المنهيات فيوجد أكثرها على خلاف مراده، ومنها ما لا يريد عدمه ولا وجوده فان وجد فبغير إرادته عز وجل وإن عدم فكذلك فيتحصل من هذا الهذيان الذي لا يتصور أن الكائنات إنما تتبع إرادة الخلق لأنها لا تقع إلا بها، فان واقت إرادة الله تعالى فليس وقوعها تابعا لها لأنها وقعت بدونها، وإن خالفت إرادة الله تعالى لم يكن لمخالفتها للارادة الربانية تأثير في منع وقوعها، فمن يتوغل في أدغال هذا الضلال كيف له بالتوكل الذي يتوقف على اعتقاد أن الكائنات جميعها إنما تتوقف على إرادة الله عز وجل، فمهما أراده وقع، ومهما لم يرده لم يقع، شاء العبد أو أبى، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، والعبد مجرى لحدوث الكائنات الواقعة بقدرة الله تعالى وإرادته لا غير، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه، فما القدري من هذا المقام الشريف إلا على مراحل لا يقربه إليها إلا راحلة الانصاف وزاد التقوى ودليل التوفيق، والله حسبنا ونعم الوكيل.]] ، وتفويض الأمر إليه، لأنه إذا علم أنّ كل شيء من الرزق ونحوه لا يكون إلا بتقديره وتوقيته: لم يبق إلا التسليم للقدر والتوكل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب