الباحث القرآني

كان عبد الله بن أبىّ رجلا جسيما صبيحا، فصيحا، ذلق اللسان [[قوله «فصيحا ذلق اللسان» أى طلق اللسان، كذا في الصحاح. (ع)]] وقوم من المنافقين في مثل صفته، وهم رؤساء المدينة، وكانوا يحضرون مجلس رسول الله ﷺ فيستندون فيه، ولهم جهارة المناظر وفصاحة الألسن [[قال محمود: «كانوا يجالسون رسول الله ﷺ ويستندون في المجلس ولهم جهارة المناظر وفصاحة الألسن ... الخ» : قال أحمد: وفيما قال اليزيدي نظر من حيث مقتضى العربية، وإلا فهو متمكن المعنى، وذلك أنها قرئت بضم الشين وسكونها قراءتين مستفيضتين، ففيه دليل أن أصلها الضم، والسكون إنما هو طارئ عليه تخفيفا، وهذا يبعد كونها جمع خشباء على وزن فعلاء، لأن قياس جمعه فعل بسكون العين كحمراء وحمر، ولا يطرأ الضم، فلو كان كما قال لم تضم شينها، والله تعالى أعلم.]] فكان النبي ﷺ ومن حضر يعجبون بهياكلهم ويسمعون إلى كلامهم. فإن قلت: ما معنى قوله كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ؟ قلت: شبهوا في استنادهم- وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير- بالخشب المسندة إلى الحائط ولأنّ الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع، وما دام متروكا فارغا غير منتفع به أسند إلى الحائط، فشبهوا به في عدم الانتفاع. ويجوز أن يراد بالخشب المسندة: الأصنام المنحوتة من الخشب المسندة إلى الحيطان، شبهوا بها في حسن صورهم وقلة جدواهم، والخطاب في رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ لرسول الله، أو لكل من يخاطب. وقرئ: يسمع، على البناء للمفعول، وموضع كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ رفع على: هم كأنهم خشب. أو هو كلام مستأنف لا محل له. وقرئ: خشب جمع خشبة، كبدنة وبدن. وخشب، كثمرة وثمر. وخشب، كمدرة ومدر، وهي في قراءة ابن عباس. وعن اليزيدي أنه قال في خُشُبٌ: جمع خشباء، والخشباء: الخشبة التي دعر جوفها [[قوله «التي دعر جوفها» أى فسد. أفاده الصحاح. (ع)]] : شبهوا بها في نفاقهم وفساد بواطنهم عَلَيْهِمْ ثانى مفعولي يحسبون [[قال محمود: «المفعول الثاني عَلَيْهِمْ تقديره: واقعة عليهم ... الخ» قال أحمد: وغلا المتنبي في المعنى فقال: وضاقت الأرض حتى صار هاربهم ... إذا رأى غير شيء ظنه رجلا [.....]]] ، أى: يحسبون كل صيحة واقعة عليهم وضارة لهم، لجبنهم وهلعهم وما في قلوبهم من الرعب: إذا نادى مناد في العسكر أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة: ظنوه إيقاعا بهم. وقيل: كانوا على وجل من أن ينزل الله فيهم ما يهتك أستارهم ويبيح دماءهم وأموالهم. ومنه أخذ الأخطل: ما زلت تحسب كلّ شيء بعدهم ... خيلا تكرّ عليهم ورجالا [[للأخطل، يقول: لا زلت يا جرير تظن كل شيء بعدهم، أى: بعد خذلان قومك. ويجوز أن بعدهم بمعنى غيرهم، خيلا تكر: أى ترجع بسرعة عليهم ورجالا لكثرة ما قام بقلبك من الخوف.]] يوقب على عَلَيْهِمْ ويبتدأ هُمُ الْعَدُوُّ أى الكاملون في العداوة: لأنّ أعدى الأعداء العدوّ المداجى [[قوله «العدو المداجى الذي يكاشرك» أى المدارى. والكثر: التهسم تبدو منه الأسنان. والدوى- مقصور- المرض، تقول: دوى الرجل- بالكسر: مرض ودوى صدره أيضا: ضغن. ودوىّ الريح: حفيفها، كذا في الصحاح. (ع)]] ، الذي يكاشرك وتحت ضلوعه الداء الدوىّ فَاحْذَرْهُمْ ولا تغترر بظاهرهم. ويجوز أن يكون هُمُ الْعَدُوُّ المفعول الثاني، كما لو طرحت الضمير. فإن قلت: فحقه أن يقال: هي العدوّ. قلت: منظور فيه إلى الخبر، كما ذكر في هذا رَبِّي وأن يقدر مضاف محذوف على: يحسبون كل أهل صيحة قاتَلَهُمُ اللَّهُ دعاء عليهم، وطلب من ذاته أن يلعنهم ويخزيهم. أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك أَنَّى يُؤْفَكُونَ كيف يعدلون عن الحق تعجبا من جهلهم [[قوله «تعجبا من جهلهم» لعله تعجب، بل لعله: تعجيب. (ع)]] وضلالتهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب