الباحث القرآني

مِنْ لِينَةٍ بيان لما قطعتم. ومحل ما نصب بقطعتم، كأنه قال: أى شيء قطعتم، وأنث الضمير الراجع إلى ما في قوله أَوْ تَرَكْتُمُوها لأنه في معنى اللينة. واللينة: النخلة من الألوان، ضروب النخل ما خلا العجوة [[ذكر الزمخشري فيه تفسيرين أحدهما أنه النخل ما عدا العجوة والبرني وهما خير النخل ... الخ. قال أحمد: والظاهر أن الاذن عام في القطع والترك، لأنه جواب الشرط المضمر لهما جميعا ويكون التعليل باجزاء الفاسقين لهما جيعا، وأن القطع يحسرهم على ذهابها والترك يحسرهم على بقائها للمسلمين ينتفعون بها، فهم في حسرتين من الأمرين جميعا.]] والبرنية، وهما أجود النخيل، وياؤها عن واو، قلبت لكسرة ما قبلها، كالديمة. وقيل: «اللينة» النخلة الكريمة، كأنهم اشتقوها من اللين. قال ذو الرمّة: كأنّ قتودى فوقها عشّ طائر ... على لينة سوقاء تهفو جنوبها [[لذي الرمة يصف ناقته: والقتود عبدان الرحل بلا أذاته. تتخذ من القتاد وهو شجر صلب ذو شوك. واللينة: النخلة. والسوقاء: طويلة الساق. وهفا الريح والبصير يهفو: عدا بسرعة والجنوب: نوع من الريح، والضمير للينة: شبه عيدان الرجل فوق الناقة بعش الطائر فوق النخلة، ويلزم من ذلك تشبيه الناقة بالنخلة في الطول والنجابة. وهو المقصود، فلو قيل: إن استعمال التشبيه الأول في الثاني من باب المجاز، أو إرادة الثاني من الأول من باب الكناية لم يكن بعيدا. وفي ذلك إشارة لتشبيه بالطائر في الحذر والتيقظ. وفي قوله «تهفو جنوبها» دلالة على سرعة سير الناقة، واختراقها للرياح كسرعة سير الريح على النخلة، فهي مخترقة له، كأنها سائرة فيه بسرعة.]] وجمعها لين. وقرئ: قوّما، على أصلها. وفيه وجهان: أنه جمع أصل كرهن ورهن. أو اكتفى فيه بالضمة عن الواو. وقرئ: قائما على أصوله ذهابا إلى لفظ ما فَبِإِذْنِ اللَّهِ فقطعها بإذن الله وأمره وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ ولبذل اليهود ويغيظهم إذن في قطعها، وذلك أنّ رسول الله ﷺ حين أمر أن تقطع نخلهم وتحرق قالوا: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض، فما بال قطع النخل وتحريقها؟ فكان في نفس المؤمنين من ذلك شيء [[أخرجه ابن إسحاق في المغازي والطبري من طريقه: حدثنا يزيد بن رومان فذكره. وذكره ابن هشام عن ابن إسحاق من غير ذكر شيخه: ورواه ابن مردويه من طريق ابن إسحاق عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس. وذكر الواقدي في المغازي «أن الذي أرسل إلى النبي ﷺ هو حيي بن أخطب» وروى أبو داود في المراسيل من طريق عبد الله بن أبى بكر بن عمرو بن حزم نحوه مختصرا.]] . فنزلت، يعنى: أنّ الله أذن لهم في قطعها ليزيدكم غيظا ويضاعف لكم حسرة إذا رأيتموهم يتحكمون في أموالكم كيف أحبوا ويتصرفون فيها ما شاءوا. واتفق العلماء أنّ حصون الكفرة وديارهم لا بأس بأن تهدم وتحرق وتغرق وترمى بالمجانيق، وكذلك أشجارهم لا بأس بقلعها مثمرة كانت أو غير مثمرة. وعن ابن مسعود: قطعوا منها ما كان موضعا للقتال. فإن قلت: لم خصت اللينة بالقطع؟ قلت: إن كانت من الألوان فليستبقوا لأنفسهم العجوة والبرنية، وإن كانت من كرام النخل فليكون غيظ اليهود أشد وأشق. وروى أن رجلين كانا يقطعان: أحدهما العجوة، والآخر اللون، فسألهما رسول الله ﷺ فقال هذا: تركتها لرسول الله، وقال هذا: قطعتها غيظا للكفار [[لم أجده بهذا السياق لكن للبخاري في الواقدي، واستعمل على قطع النخل وحرقها رجلين من أصحابه: أبا ليلى المازني وعبد الله بن سلام فكان أبو ليلى يقطع العجوة وكان الآخر يقطع اللون. فقيل لهما في ذلك. فقال أبو ليلى: كانت العجوة أحرق لهم وقال ابن سلام: قد عرف أن الله سيغنمهم أموالهم، وكانت العجوة خير أموالهم فأنزل الله الآية. وروى البيهقي في الدلائل من طريق ابن أبى نجيح عن مجاهد قال «نهى بعض المهاجرين بعضا عن قطع النخل وقالوا: إنما هو من مغانم المسلمين. وقال الذين قطعوا: بل هو غيظ للعدو. فنزل القرآن.]] . وقد استدل به على جواز الاجتهاد، وعلى جوازه بحضرة الرسول ﷺ، لأنهما بالاجتهاد فعلا ذلك، واحتج به من يقول: كل مجتهد مصيب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب