وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ مع ما عددنا من سيئاتهم آمَنُوا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبما جاء به، وقرنوا إيمانهم بالتقوى التي هي الشريطة في الفوز بالإيمان لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ تلك السيئات ولم نؤاخذهم بها وَلَأَدْخَلْناهُمْ مع المسلمين الجنة. وفيه إعلام بعظم معاصى اليهود والنصارى وكثرة سيئاتهم، ودلالة على سعة رحمة اللَّه تعالى وفتحه باب التوبة على كل عاص وإن عظمت معاصيه وبلغت مبالغ سيئات اليهود والنصارى، وأن الإيمان لا ينجى [[قال محمود: «فيه دليل على أن الايمان لا ينجى ... الخ» قال أحمد: وهو ينتهز الفرصة من ظاهر هذه الآية فيجعله دليلا على قاعدته في أن مجرد الايمان لا ينجى من الخلود في النار حتى ينضاف إليه التقوى، لأن اللَّه تعالى جعل المجموع في هذه الآية شرطا للتفكير ولادخال الجنة. وظاهره أنهما ما لم يجتمعا لا يوجد تكفير ولا دخول الجنة، وأنى له ذلك والإجماع والاتفاق من الفريقين أهل السنة والمعتزلة على أن مجرد الايمان يجب ما قبله ويمحوه، كما ورد النص فلو فرضنا موت الداخل في الايمان عقيب دخوله فيه، لكان كيوم ولدته أمه باتفاق مكفر الخطايا محكوما له بالجنة، فدل ذلك على أن اجتماع الأمرين ليس بشرط. هذا إن كان المراد بالتقوى الأعمال.
وإن كانت التقوى على أصل موضعها الخوف من اللَّه عز وجل، فهذا المعنى ثابت لكل مؤمن وإن قارف الكبائر.
وحينئذ لا يتم للزمخشري منه غرض. وما هذا إلا إلحاح ولجاج في مخالفة المعتقد المستفاد من قوله عليه الصلاة والسلام من قال لا إله إلا اللَّه دخل الجنة، وإن زنى أو سرق» كررها النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرارا، ثم قال: وإن رغم أنف أبى ذر، لما راجعه رضى اللَّه عنه في ذلك. ونحن نقول. وإن رغم أنف القدرية.]] ولا يسعد إلا مشفوعاً بالتقوى، كما قال الحسن: هذا العمود فأين الأطناب وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ أقاموا أحكامهما وحدودهما وما فيهما من نعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ من سائر كتب اللَّه، لأنهم مكلفون الإيمان بجميعها، فكأنها أنزلت إليهم وقيل: هو القرآن. لوسع اللَّه عليهم الرزق وكانوا قد قحطوا. وقوله لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ عبارة عن التوسعة. وفيه ثلاث أوجه: أن يفيض عليهم بركات السماء وبركات الأرض وأن يكثر الأشجار المثمرة والزروع المغلة وأن يرزقهم الجنان اليانعة الثمار يجتنون ما تهدل [[قوله «ما تهدل» أى استرخى وتدلى. أفاده الصحاح. (ع)]] منها من رؤس الشجر، ويلتقطون ما تساقط على الأرض من تحت أرجلهم مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ طائفة حالها أمم [[قوله «أمم» أى يسير. أفاده الصحاح. (ع)]] في عداوة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقيل هي الطائفة المؤمنة عبد اللَّه بن سلام وأصحابه وثمانية وأربعون من النصارى، وساءَ ما يَعْمَلُونَ فيه معنى التعجب، كأنه قيل: وكثير منهم ما أسوأ عملهم، وقيل: هم كعب بن الأشرف وأصحابه والروم.
{"ayahs_start":65,"ayahs":["وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَكَفَّرۡنَا عَنۡهُمۡ سَیِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأَدۡخَلۡنَـٰهُمۡ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِیمِ","وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُوا۟ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِیلَ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُوا۟ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ مِّنۡهُمۡ أُمَّةࣱ مُّقۡتَصِدَةࣱۖ وَكَثِیرࣱ مِّنۡهُمۡ سَاۤءَ مَا یَعۡمَلُونَ"],"ayah":"وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَكَفَّرۡنَا عَنۡهُمۡ سَیِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأَدۡخَلۡنَـٰهُمۡ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِیمِ"}