الباحث القرآني

قرئ (لا يحزنك) بضم الياء. ويسرعون. والمعنى: لا تهتم ولا تبال بمسارعة المنافقين فِي الْكُفْرِ أى في إظهاره بما يلوح منهم من آثار الكيد للإسلام ومن موالاة المشركين، فإنى ناصرك عليهم وكافيك شرّهم. يقال: أسرع فيه الشيب، وأسرع فيه الفساد، بمعنى: وقع فيه سريعاً، فكذلك مسارعتهم في الكفر ووقوعهم وتهافتهم فيه، أسرع شيء إذا وجدوا فرصة لم يخطؤها. وآمَنَّا مفعول قالوا: وبِأَفْواهِهِمْ متعلق بقالوا لا بآمنا وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا منقطع مما قبله خبر لسماعون، أى: ومن اليهود قوم سماعون. ويجوز أن يعطف على: (مِنَ الَّذِينَ قالُوا) ويرتفع سماعون على: هم سماعون. والضمير للفريقين. أو للذين هادوا. ومعنى سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ قابلون لما يفتريه الأحبار ويفتعلونه من الكذب على اللَّه وتحريف كتابه من قولك الملك يسمع كلام فلان. ومنه «سمع اللَّه لمن حمده» سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يعنى اليهود الذين لم يصلوا إلى مجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وتجافوا عنه لما أفرط فيهم من شدة البغضاء وتبالغ من العداوة، أى قابلون من الأحبار ومن أولئك المفرطين في العداوة الذين لا يقدرون أن ينظروا إليك. وقيل: سماعون إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأجل أن يكذبوا عليه بأن يمسخوا ما سمعوا منه بالزيادة والنقصان والتبديل والتغيير، سماعون من رسول اللَّه لأجل قوم آخرين من اليهود وجهوهم عيونا ليبلغوهم ما سمعوا منه. وقيل: السماعون: بنو قريظة. والقوم الآخرون: يهود خيبر يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ يميلونه ويزيلونه مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ التي وضعه اللَّه تعالى فيها، فيهملونه بغير مواضع بعد أن كان ذا مواضع إِنْ أُوتِيتُمْ هذا المحرف المزال عن مواضعه فَخُذُوهُ واعلموا أنه الحق واعملوا به وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ وأفتاكم محمد بخلافه فَاحْذَرُوا وإياكم وإياه فهو الباطل والضلال. وروى أن شريفاً من خيبر زنى بشريفة وهما محصنان وحدّهما الرجم في التوراة، فكرهوا رجمهما لشرفهما فبعثوا رهطا منهم إلى بنى قريظة ليسألوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن ذلك، وقالوا: إن أمركم محمد بالجلد والتحميم [[قوله «والتحميم» أى التسويد. وفي الصحاح «الحمة» بالضم: السواد. (ع)]] فاقبلوا وإن أمركم بالرجم فلا تقبلوا، وأرسلوا الزانيين معهم، فأمرهم بالرجم فأبوا أن يأخذوا به فقال له جبريل: اجعل بينك وبينهم ابن صوريا، فقال هل تعرفون شاباً أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا؟ قالوا: نعم وهو أعلم يهودى على وجه الأرض ورضوا به حكما. فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أنشدك اللَّه الذي لا إله إلا هو الذي فلق البحر لموسى ورفع فوقكم الطور وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي أنزل عليكم كتابه وحلاله وحرامه، هل تجدون فيه الرجم على من أحصن؟ قال: نعم، فوثب عليه سفلة اليهود، فقال: خفت إن كذبته أن ينزل علينا العذاب. ثم سأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن أشياء كان يعرفها من أعلامه فقال أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه النبي الأمى العربي الذي بشر به المرسلون، وأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الزانيين [[قوله «الزانيين» لعله بالزانيين. (ع)]] فرجما عند باب مسجده [[أخرجه ابن إسحاق في المغازي حدثني ابن شهاب سمعت رجلا من مزينة يحدث سعيد بن المسيب عن أبى هريرة- فذكره، دون أوله، ودون قوله فيه: فقال له جبريل: اجعل بينك وبينهم ابن صوريا فقال: هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور، يسكن فدك. ودون ما في آخره. وكذا أخرجه البيهقي في الدلائل من رواية معمر عن الزهري مطولا- زاد فيه قصة الملك الذي كان زنى منهم فلم يرجموه، وأصله في الصحيحين من حديث أبى هريرة وغيره مختصرا.]] وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ تركه مفتوناً [[قال محمود: «معنى ومن يرد اللَّه فتنته: ومن يرد تركه مفتونا ... الخ» قال أحمد رحمه اللَّه: كم يتلجلج والحق أبلج هذه الآية كما تراها منطبقة على عقيدة أهل السنة في أن اللَّه تعالى أراد الفتنة من المفتونين، ولم يرد أن يطهر قلوبهم من دنس الفتنة ووضر الكفر، لا كما تزعم المعتزلة من أنه تعالى ما أراد الفتنة من أحد، وأراد من كل أحد الايمان وطهارة القلب، وأن الواقع من الفتن على خلاف إرادته، وأن غير الواقع من طهارة قلوب الكفار مراد ولكن لم يقع، فحسبهم هذه الآية وأمثالها، لو أراد اللَّه أن يطهر قلوبهم من وضر البدع. أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها. وما أبشع صرف الزمخشري هذه الآية عن ظاهرها بقوله: لم يرد اللَّه أن يمنحهم ألطافه، لعلمه أن ألطافه لا تنجع فيهم ولا تنفع، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وإذا لم تنجع ألطاف اللَّه تعالى ولم تنفع، فلطف من ينفع وإرادة من تنجع؟ وليس وراء اللَّه للمرء مطمع.]] وخذلانه [[قوله «تركه مفتونا وخذلانه» قدر هذا بناء على أنه تعالى لا يريد الشر عند المعتزلة لكن عند أهل السنة يريد الشر والخير كما حقق في محله. (ع)]] فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً فلن تستطيع له من لطف اللَّه وتوفيقه شيئا أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أن يمنحهم من ألطافه ما يطهر به قلوبهم لأنهم ليسوا من أهلها، لعلمه أنها لا تنفع فيهم ولا تنجع (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ) (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب