الباحث القرآني

لما عصوه وتمرّدوا عليه وخالفوه وقالوا ما قالوا من كلمة الكفر ولم يبق معه مطيع موافق يثق به إلا هرون قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ لنصرة دينك [[عاد كلامه. قال محمود: «قال رب إنى لا أملك لنصرة دينك إلا نفسي ... الخ» قال أحمد: وفي قول موسى عليه الصلاة والسلام ليلة الاسراء لنبينا عليه الصلاة والسلام: إنى جربت بنى إسرائيل وخبرتهم، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فان أمتك لا تطيق ذلك. وتكريره هذا القول مراراً مصداق لما ذكره الزمخشري. وأما إن كان المراد بالرجلين غير يوشع وكالب- وكانا من العماليق الذين خافهم بنو إسرائيل- ويكون معنى يخافون أى يخافهم بنو إسرائيل- فالضمير على هذا يرجع إلى بنى إسرائيل، والعائد محذوف وهو المفعول. فعلى هذا لا شك أن هذين الرجلين ليسا من بنى إسرائيل المكتوب عليهم قتال العمالقة. وإنما عنى موسى عليه السلام: إنى لا أملك من بنى إسرائيل المفروض عليهم القتال أمر أحد إلا نفسي وأخى، واللَّه أعلم.]] إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي وهذا من البث والحزن والشكوى إلى اللَّه والحسرة ورقة القلب التي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة ونحوه قول يعقوب عليه السلامِ نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ) . وعن على رضى اللَّه عنه أنه كان يدعو الناس على منبر الكوفة إلى قتال البغاة، فما أجابه إلا رجلان فتنفس الصعداء [[قوله «فتنفس الصعداء» في الصحاح: الصعداء بالضم والمد تنفس ممدود اه. (ع)]] . ودعا لهما وقال: أين تقعان مما أريد؟ وذكر في إعراب «أخى» وجوه: أن يكون منصوبا عطفا على نفسي أو على الضمير في «إنى» ، بمعنى: ولا أملك إلا نفسي [[قوله «بمعنى لا أملك إلا نفسي» لعله بمعنى إنى لا أملك. وعبارة النسفي. أى إنى لا أملك ... الخ. (ع)]] وإن أخى لا يملك إلا نفسه. ومرفوعا عطفاً على محل إن واسمها، كأنه قيل: أنا لا أملك إلا نفسي، وهرون كذلك لا يملك إلا نفسه أو على الضمير في لا أملك. وجاز للفصل. ومجروراً عطفا على الضمير في نفسي، وهو ضعيف لقبح العطف على ضمير المجرور [[قوله «على ضمير المجرور» لعله على الضمير. (ع)]] إلا بتكرير الجار. فإن قلت: أما كان معه الرجلان المذكوران؟ قلت: كأنه لم يثق بهما كل الوثوق ولم يطمئن إلى ثباتهما، لما ذاق على طول الزمان واتصال الصحبة من أحوال قومه وتلونهم وقسوة قلوبهم، فلم يذكر إلا النبي المعصوم الذي لا شبهة في أمره. ويجوز أن يقول ذلك لفرط ضجره عند ما سمع منهم تقليلا لمن يوافقه. ويجوز أن يريد: ومن يؤاخينى على دينى فَافْرُقْ فافصل بَيْنَنا وبينهم بأن تحكم لنا بما نستحق، وتحكم عليهم بما يستحقون، وهو في معنى الدعاء عليهم. ولذلك وصل به قوله: (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) على وجه التسبيب، أو فباعد بيننا وبينهم وخلصنا من صحبتهم «كقوله: (وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فَإِنَّها فإن الأرض المقدسة مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ لا يدخلونها ولا يملكونها، فان قلت: كيف يوفق بين هذا وبين قوله (الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) ؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يراد كتبها لكم بشرط أن تجاهدوا أهلها فلما أبوا الجهاد قيل: فإنها محرمة عليهم. والثاني: أن يراد فإنها محرمة عليهم أربعين سنة، فإذا مضت الأربعون كان ما كتب، فقد روى أن موسى سار بمن بقي من بنى إسرائيل وكان يوشع على مقدمته ففتح أريحاء وأقام فيها ما شاء اللَّه ثم قبض صلوات اللَّه عليه. وقيل: لما مات موسى بعث يوشع نبياً، فأخبرهم بأنه نبىّ اللَّه، وأن اللَّه أمره بقتال الجبابرة، فصدقوه وبايعوه وسار بهم إلى أريحاء وقتل الجبارين وأخرجهم، وصار الشام كله لبنى إسرائيل. وقيل: لم يدخل الأرض المقدسة أحد ممن قال: (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها) وهلكوا في التيه ونشأت نواشئ من ذرّياتهم فقاتلوا الجبارين ودخلوها والعامل في الظرف إما (مُحَرَّمَةٌ) وإما (يَتِيهُونَ) ومعنى يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ يسيرون فيها متحيرين لا يهتدون طريقاً. والتيه: المفازة التي يتاه فيها. روى أنهم لبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ يسيرون كل يوم جادين، حتى إذا سئموا وأمسوا إذا هم بحيث ارتحلوا عنه، وكان الغمام يظللهم من حرّ الشمس، ويطلع لهم عمود من نور بالليل يضيء لهم، وينزل عليهم المنّ والسلوى، ولا تطول شعورهم، وإذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر يطول بطوله. فإن قلت: فلم كان ينعم عليهم بتظليل الغمام وغيره وهم معاقبون؟ قلت: كما ينزل بعض النوازل على العصاة عركا لهم [[قوله «عركا لهم» في الصحاح: عركت الشيء دلكته. وعرك البعير جنبه بمرفقه. وفيه أيضا: الدعك مثل الدلك. وقد دعكت الأديم والخصم: لبنته. (ع)]] ، وعليهم مع ذلك النعمة متظاهرة. ومثل ذلك مثل الوالد المشفق يضرب ولده ويؤذيه ليتأدب ويتثقف ولا يقطع عنه معروفه وإحسانه. فإن قلت: هل كان معهم في التيه موسى وهرون عليهما السلام؟ قلت: اختلف في ذلك، فقيل لم يكونا معهم لأنه كان عقابا، وقد طلب موسى إلى ربه أن يفرق بينهما وبينهم. وقيل: كانا معهم إلا أنه كان ذلك روحا لهما وسلامة، لا عقوبة، كالنار لإبراهيم، وملائكة العذاب. وروى أن هرون مات في التيه، ومات موسى بعده فيه بسنة. ودخل يوشع أريحاء بعد موته بثلاثة أشهر. ومات النقباء في التيه بغتة، إلا كالب ويوشع فَلا تَأْسَ فلا تحزن عليهم لأنه ندم على الدعاء عليهم، فقيل: إنهم أحقاء لفسقهم بالعذاب، فلا تحزن ولا تندم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب