الباحث القرآني
«أن» في قوله أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ [[قال محمود: «أن في قوله: (أَنِ اعْبُدُوا) إن جعلتها مفسرة لم يكن لها بد من مفسر ... الخ» قال أحمد: وقد أجاز بعضهم وقوع «أن» المفسرة بعد لفظ القول، ولم يقتصر بها على ما في معناه، فيجوز على هذا القول وقوعها تفسيراً لفعل القول. وقد أبى الزمخشري في مفصله وقوعها إلا بعد فعل في معنى القول كمذهبه هاهنا.]] إن جعلتها مفسرة لم يكن لها بد من مفسر. والمفسر إما فعل القول وإما فعل الأمر، وكلاهما لا وجه له. أما فعل القول فيحكى بعده الكلام من غير أن يتوسط بينهما حرف التفسير، لا تقول: ما قلت لهم إلا أن اعبدوا اللَّه. ولكن:
ما قلت لهم إلا اعبدوا اللَّه. وأما فعل الأمر، فمسند إلى ضمير اللَّه عز وجل. فلو فسرته باعبدوا اللَّه ربى وربكم لم يستقم لأن اللَّه تعالى لا يقول: اعبدوا اللَّه ربى وربكم، وإن جعلتها موصولة بالفعل [[عاد كلامه. قال: «وأما فعل الأمر فمسند إلى ضمير اللَّه عز وجل ... الخ» قال أحمد: ويجوز أيضا هذا الوجه على صرف التفسير إلى المعنى، كأنه حكى معنى قول اللَّه عز وجل له بعبارة أخرى، وكأن اللَّه تعالى قال له:
مرهم بعبادتي، أو قال لهم على لسان عيسى: اعبدوا اللَّه رب عيسى وربكم، فلما حكاه عيسى عليه السلام قال: اعبدوا اللَّه ربى وربكم، فكنى عن اسمه الظاهر بضميره، كما قال اللَّه تعالى حكاية عن موسى (قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) فانظر كيف جاء أول الكلام حكاية لقول موسى، وموسى لا يقول: فأخرجنا، ولكن فأخرج اللَّه، فلما حكاه اللَّه تعالى عن موسى رد الكلام إليه تعالى، وأضاف الإخراج إلى ذاته على طريقة المتكلم لا الحاكي، وكذلك قوله تعالى: (لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) إلى قوله: (فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) ونظائره كثيرة. وقد قدمت نحواً من هذا البحث عند قوله تعالى حكاية عن اليهود (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) لما استبعد الزمخشري أن تصفه اليهود بهذه الصفات المنافية لاعتقادهم فيه.]] لم تخل من أن تكون بدلا من ما أمرتنى به، أو من الهاء [[عاد كلامه. قال: «وإن جعلت أن موصولة مع فعل الأمر ... الخ» قال أحمد: أى فلا يقدر بالعبادة ولكن بالأمر بها، كأنه قيل: ما قلت لهم إلا الأمر بالعبادة للَّه، والأمر مقول لقلت، على أن جعل العبادة مقولة ليس ببعيد، على طريقة (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) أى للوطء الذي قالوا قولا يتعلق به. وكقوله تعالى: (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً) وسيأتى له تصحيح هذا الاستعمال لوروده كثيراً في القرآن الكريم.]] في به، وكلاهما غير مستقيم لأن البدل هو الذي يقوم مقام المبدل منه. ولا يقال: ما قلت لهم إلا أن اعبدوا اللَّه، بمعنى ما قلت لهم إلا عبادته لأن العبادة لا تقال. وكذلك إذا جعلته بدلا من الهاء [[عاد كلامه. قال: «وكذلك إذا جعلته بدلا من الهاء لأنك ... الخ» قال أحمد: وهذا أيضا غير مانع من البدل، وإنما يواجه المصنف بما لا يسعه إنكاره، فقد قال في مفصله ما هذا نصه: وقولهم: إن البدل في حكم تنحية الأول، إيذان منهم باستقلاله بنفسه ومفارقته للتأكيد والصفة في كونهما اسمين لما يتبعانه، لا أن يعنوا إهدار الأول وإطراحه. ألا تراك تقول: زيداً رأيت غلامه رجلا صالحا، فلو ذهبت إلى إهدار الأول لم يسند كلامك. فانظر كيف يرد كلامه في المفصل وهو الحق ما ارتكبه من رد البدل في هذه الآية، للزوم طرح الأول فتخلو الصلة من الضمير: ولم يجعل هذا القدر مانعا في المثال المذكور. مع أنك لو طرحت الأول لخلا الخبر من الضمير العائد ولم يسند الكلام. فهذه وجوه أربعة منعها في إعراب «أن» وكلها مسندة حسبما بينا. وهذه المساجلة في هذا الاعراب من الغرر والحجول في صناعة الاعراب وعلم البيان. وفرسان هذا المضمار قليل.]] لأنك لو أقمت (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ) مقام الهاء، فقلت: إلا ما أمرتنى بأن اعبدوا اللَّه، لم يصح، لبقاء الموصول بغير راجع إليه من صلته. فإن قلت: فكيف يصنع؟ [[عاد كلامه. قال: فان قلت كيف يصنع؟ قلت: يحمل فعل ... الخ» قال أحمد: هذا التأويل لتوقع أن المفسرة بعد فعل في معنى القول، وليس قولا صريحا. وحمل القول على الأمر مما يصحح المذهب الآخر في إجازة وقوعها بعد القول، فانه لولا ما بين القول والأمر من التفاوت المعنوي، لما جاز إطلاق إحداهما وإرادة الأخرى.
والعجب أن الأمر قسم من أقسام القول، وما بينهما إلا عموم وخصوص. وليس في هذا التأويل الذي سلكه إلا كلفة لا طائل وراءها. ولو كانت العرب تأبى وقوع المفسرة بعد القول. لما أوقعتها بعد فعل ليس بقول. ثم عبرت عن ذلك الفعل بالقول لأن ذلك كالعود إلى ما وقع الفرار منه وهم بعداء من ذلك.]] قلت يحمل فعل القول على معناه لأن معنى (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) . ما أمرتهم إلا بما أمرتنى به، حتى يستقيم تفسيره يأن اعبدوا اللَّه ربى وربكم. ويجوز أن تكون «أن» موصولة [[عاد كلامه. قال: ويجوز أن تكون أن موصولة ... الخ» قال أحمد: يريد بجعله عطف بيان أن يسلم من تقدير إطراح الأول في البدل وخلو الصلة حينئذ من العائد. وقد بينا أن ذلك غير لازم في البدل. والعجب أنه أيضا في مفصله لم يفصل بين عطف البيان والبدل، إلا في مثل قول المرار:
أنا ابن التارك البكري بشر
لأنه لو جعله بدلا للزم تكرير العامل، وإضافة اسم الفاعل العرف بالألف واللام إلى العلم ولم يفصل بينهما في غير هذا المثال ومن حيث المعنى أن المعتمد في عطف البيان الأول. وأما الثاني فللتوضيح. والمعتمد في البدل الثاني.
وأما الأول فبساط لذكره، لا على أنه مطرح مهدر.]] عطف بيان للهاء لا بدلا وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً رقيباً كالشاهد على المشهود عليه، أمنعهم من أن يقولوا ذلك ويتدينوا به فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ تمنعهم من القول به بما نصبت لهم من الأدلة، وأنزلت عليهم من البينات، وأرسلت إليهم من الرسل إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ الذين عرفتهم عاصين جاحدين لآياتك مكذبين لأنبيائك وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ القوى القادر على الثواب والعقاب الْحَكِيمُ الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة وصواب. فإن قلت: المغفرة لا تكون للكفار فكيف قال: (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) [[قال محمود «إن قلت المغفرة لا تكون للكفار فكيف قال وإن تغفر لهم ... الخ» ؟ قال أحمد رحمه اللَّه: تذبذب الزمخشري في هذا الموضع فلا إلى أهل السنة ولا إلى القدرية. أما أهل السنة، فالمغفرة للكافر جائزة عندهم في حكم اللَّه تعالى عقلا، بل عقاب المتقى المخلص كذلك غير ممتنع عقلا من اللَّه تعالى، وإذا كان كذلك فهذا الكلام خرج على الجواز العقلي، وإن كان السمع ورد بتعذيب الكفار وعدم الغفران لهم، إلا أن ورود السمع بذلك لا يرفع الجواز العقلي. وأما القدرية فيزعمون أن المغفرة للكافر ممتنعة عقلا، لا تجوز على اللَّه تعالى لمناقضتها الحكمة، فمن ثم كفحتهم هذه الآية بالرد، إذ لو كان الأمر كزعمهم لما دخلت كلمة «إن» المستعملة عند الشك في وقوع الفعل بعدها لغة في فعل لا شك في عدم وقوعه عقلا، ولكان ذلك من باب التعليق بالمحال، كأن يبيض القار وأشباهه. وليس هذا مكان. فقول الزمخشري إذاً (إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) لم يعدم وجها من الحكمة في المغفرة لأن العفو عن المجرم حسن عقلا لا يأتلف بقواعد السنة، إذ لا يلتفت عندهم إلى التحسين العقلي، ولا يأتلف أيضا بنزغات القدرية، لأنهم يجزمون بأنه لا وجه من الحكمة في المغفرة للكافر، ويقطعون بمنافاتها الحكمة، فكيف يخاطب اللَّه تعالى به، فعلم أن عيسى عليه السلام يبرأ إلى اللَّه من هذا الإطلاق ومما اشتمل عليه من سوء الأدب، فان قول القائل لمن يخاطبه: ما فعل كذا فلن يعدم فيه عذراً ووجهاً من المصلحة كلام مبذول وعبارة نازلة عن أوفى مراتب الأدب، إنما يطلقها المتكلم لمن هو دونه عادة، فنسأل اللَّه إلهام الأدب وتجنب ما في إساءته من مزلات العطب.]] ؟ قلت: ما قال إنك تغفر لهم، ولكنه بنى الكلام على: إن غفرت، فقال: إن عذبتهم عدلت، لأنهم أحقاء بالعذاب، وإن غفرت لهم مع كفرهم لم تعدم في المغفرة وجه حكمة لأن المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول. بل متى كان الجرم أعظم جرما كان العفو عنه أحسن.
{"ayahs_start":117,"ayahs":["مَا قُلۡتُ لَهُمۡ إِلَّا مَاۤ أَمَرۡتَنِی بِهِۦۤ أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ رَبِّی وَرَبَّكُمۡۚ وَكُنتُ عَلَیۡهِمۡ شَهِیدࣰا مَّا دُمۡتُ فِیهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّیۡتَنِی كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِیبَ عَلَیۡهِمۡۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ","إِن تُعَذِّبۡهُمۡ فَإِنَّهُمۡ عِبَادُكَۖ وَإِن تَغۡفِرۡ لَهُمۡ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"],"ayah":"إِن تُعَذِّبۡهُمۡ فَإِنَّهُمۡ عِبَادُكَۖ وَإِن تَغۡفِرۡ لَهُمۡ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق