كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على أهل العتوّ والعناد من الكفرة، يتمنون دخولهم في الإسلام، فقيل لهم عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ وما كلفتم من إصلاحها والمشي بها في طرق الهدى لا يَضُرُّكُمْ الضلال عن دينكم إذا كنتم مهتدين، كما قال عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) وكذلك من يتأسف على ما فيه الفسقة من الفجور والمعاصي، ولا يزال يذكر معايبهم ومناكيرهم. فهو مخاطب به، وليس المراد ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإن من تركهما مع القدرة عليهما فليس بمهتد، وإنما هو بعض الضلال الذين فصلت الآية بينهم وبينه، وعن ابن مسعود: أنها قرئت عنده فقال: إن هذا ليس بزمانها [[قوله «ليس بزمانها إنها» لعل هذا الضمير للنصيحة المفهومة من السياق. (ع)]] إنها اليوم مقبولة. ولكن يوشك أن يأتى زمان تأمرون فلا يقبل منكم، فحينئذ عليكم أنفسكم، فهي على هذا تسلية لمن يأمر وينهى فلا يقبل منه، وبسط لعذره. وعنه: ليس هذا زمان تأويلها. قيل: فمتى؟ قال: إذا جعل دونها السيف والسوط والسجن. وعن أبى ثعلبة الخشني أنه سئل عن ذلك فقال للسائل: سألت عنها خبيرا. سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عنها فقال: ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا ما رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذى رأى برأيه، فعليك نفسك ودع أمر العوام. وإنّ من ورائكم أياما الصبر فيهنّ كقبض على الجمر، للعامل منهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله [[أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي من رواية عبد اللَّه بن المبارك عن عتبة بن أبى حكيم عن عمرو بن حارثة اللخمي عن أبى أمية الصنعاني قال «أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت:
قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) الآية قال: أما واللَّه لقد سألت عنها خبيراً سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر- وذكره: وقال فيه فعليك بخاصة نفسك ودع العوام- وقال في آخره: مثل عملكم» قال ابن المبارك: وزادني غير عتبة: قيل يا رسول اللَّه أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: لا، بل منكم» وأخرجه ابن حبان والحاكم وإسحاق وأبو يعلى والطبراني.]] . وقيل كان الرجل إذا أسلم قالوا له: سفهت آباءك، ولاموه، فنزلت (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) عليكم: من أسماء الفعل، بمعنى: الزموا إصلاح أنفسكم، ولذلك جزم جوابه. وعن نافع: عليكم أنفسكم، بالرفع. وقرئ (لا يَضُرُّكُمْ) وفيه وجهان [[قوله «لا يضركم، وفيه وجهان» يعنى بالرفع، وهو يفيد أن القراءة الأصلية بالنصب. (ع)]] أن يكون خبراً مرفوعا وتنصره قراءة أبى حيوة، لا يضيركم. وأن يكون جواباً للأمر مجزوماً. وإنما ضمت الراء اتباعاً لضمة الضاد المنقولة إليها من الراء المدغمة. والأصل: لا يضروكم. ويجوز أن يكون نهيا، ولا يضركم، بكسر الضاد وضمها من ضاره يضيره ويضوره.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ عَلَیۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا یَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَیۡتُمۡۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِیعࣰا فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"}