الباحث القرآني

الإيمان: هو التصديق مع الثقة وطمأنينة النفس. والإسلام: الدخول في السلم. والخروج من أن يكون حربا للمؤمنين بإظهار الشهادتين. ألا ترى إلى قوله تعالى وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ فاعلم أنّ ما يكون من الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام، وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان. فإن قلت: ما وجه قوله تعالى قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا والذي يقتضيه نظم الكلام أن يقال: قل لا تقولوا آمنا، ولكن قولوا أسلمنا. أو قل لم تؤمنوا ولكن أسلمتم؟ قلت: أفاد هذا النظم تكذيب دعواهم أوّلا، ودفع ما انتحلوه [[قال محمود: «وجه هذا النظم تكذيب دعواهم أولا الخ» قال أحمد: ونظير هذا النظم ومراعاة هذه اللطيفة قوله تعالى إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ثم قال: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ ولما كان مؤدى هذا تكذيب الله تعالى لهم في شهادتهم برسالة النبي ﷺ قدم على ذلك مقدمة تلخص المقصود وتخلصه من حوادث الوهم ونوائبه، فقال بين الكلامين، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، ثم قال بعد ذلك: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ فتلخص من ذلك أنهم كذبوا فيما ادعوه من شهادة قلوبهم الحق، لأن ذلك حقيقة الشهادة، لا أنهم كذبوا في أن رسول الله ﷺ رسول من الله وكان المخلص من ذلك قوله جل وعلا وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ.]] ، فقيل: قل لم تؤمنوا. وروعي في هذا النوع من التكذيب أدب حسن حين لم يصرّح بلفظه، فلم يقل: كذبتم، ووضع لَمْ تُؤْمِنُوا الذي هو نفى ما ادعوا إثباته موضعه، ثم نبه على ما فعل من وضعه موضع كذبتم في قوله في صفة المخلصين أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ تعريضا بأن هؤلاء هم الكاذبون، ورب تعريض لا يقاومه التصريح، واستغنى بالجملة التي هي لَمْ تُؤْمِنُوا عن أن يقال: لا تقولوا آمنا، لاستهجان أن يخاطبوا بلفظ مؤدّاه النهى عن القول بالإيمان، ثم وصلت بها الجملة المصدّرة بكلمة الاستدراك محمولة على المعنى، ولم يقل: ولكن أسلمتم، ليكون خارجا مخرج الزعم والدعوى، كما كان قولهم آمَنَّا كذلك، ولو قيل: ولكن أسلمتم، لكان خروجه في معرض التسليم لهم والاعتداد بقولهم وهو غير معتدّ به. فإن قلت: قوله وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ بعد قوله تعالى قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا يشبه التكرير من غير استقلال بفائدة متجددة. قلت: ليس كذلك، فإن فائدة قوله لَمْ تُؤْمِنُوا هو تكذيب دعواهم، وقوله وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ توقيت لما أمروا به أن يقولوه، كأنه قيل لهم وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا حين لم تثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم، لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير في قُولُوا وما في لَمَّا من معنى التوقع: دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد لا يَلِتْكُمْ لا ينقصكم ولا يظلمكم. يقال: ألته السلطان حقه أشدّ الألت، وهي لغة غطفان. ولغة أسد وأهل الحجاز: لاته ليتا. وحكى الأصمعى عن أمّ هشام السلولية أنها قالت: الحمد لله الذي لا يفات ولا يلات، ولا تصمه الأصوات [[قوله «ولا تصمه الأصوات» إن كان من الوصم فالمعنى: لا تصدعه الأصوات ولا تعيبه، وإن كان من الصمم فالمعنى: لا تجد أصم. وفي الصحاح «الوصم» : الصدع والعيب. وفيه «أصممته» : وجدته أصم. (ع)]] . وقرئ باللغتين: لا يلتكم، ولا يألتكم. ونحوه في المعنى فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً. ومعنى طاعة الله ورسوله: أن يتوبوا عما كانوا عليه من النفاق ويعقدوا قلوبهم على الإيمان ويعملوا بمقتضياته، فان فعلوا ذلك تقبل الله توبتهم، ووهب لهم مغفرته، وأنعم عليهم بجزيل ثوابه. وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنّ نفرا من بنى أسد قدموا المدينة في سنة جدبة، فأظهروا الشهادة، وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات، وأغلوا أسعارها، وهم يغدون ويروحون على رسول الله ﷺ ويقولون: أتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحلها، وجئناك بالأثقال والذراري، يريدون الصدقة ويمنون عليه، فنزلت.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب