الباحث القرآني

مكية، إلا قوله إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا ... الآية وهي سبع وخمسون آية. وقيل تسع وخمسون [نزلت بعد سورة الزخرف] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الواو في وَالْكِتابِ واو القسم، إن جعلت حم تعديدا للحروف أو اسما للسورة، مرفوعا على خبر الابتداء المحذوف وواو العطف إن كانت حم مقسما بها. وقوله إِنَّا أَنْزَلْناهُ جواب القسم، والكتاب المبين القرآن. والليلة المباركة: ليلة القدر. وقيل: ليلة النصف من شعبان، ولها أربعة أسماء: الليلة المباركة، وليلة البراءة، وليلة الصكّ، وليلة الرحمة وقيل: بينها وبين ليلة القدر أربعون ليلة. وقيل في تسميتها: ليلة البراءة. والصكّ: أن البندار إذا استوفى الخراج من أهله كتب لهم البراءة، كذلك الله عز وجل يكتب لعباده المؤمنين البراءة في هذه الليلة. وقيل: هي مختصة بخمس خصال: تفريق كل أمر حكيم وفضيلة العبادة فيها: قال رسول الله ﷺ: «من صلى في هذه الليلة مائة ركعة أرسل الله إليه مائة ملك: ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنون من عذاب النار، وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا. وعشرة يدفعون عنه مكايد الشيطان [[ذكره صاحب الفردوس من حديث ابن عمر هكذا وأخرجه أبو الفتح سليم بن أيوب في الترغيب له من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن على موقوفا. وأخرجه ابن الأخضر من رواية جعفر المدائني عن أبى يحيى العتابى حدثني بضعة وثلاثون من أصحاب النبي ﷺ أنه قال- فذكره]] » . ونزول الرحمة: قال عليه الصلاة والسلام: «إنّ الله يرحم أمّتى [[قوله «يرحم أمتى في هذه الليلة» لعله: من أمتى. (ع)]] في هذه الليلة بعدد شعر أغنام بنى كلب [[أخرجه الترمذي وابن ماجة من حديث عائشة مرفوعا «إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا. فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب. قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث الحجاج؟ وسمعت محمدا يضعفه. وقال: ابن يحيى لم يسمع من عروة، والحجاج لم يسمع من يحيى، وفي الباب عن أنس عن عائشة في الدعوات البيهقي. وفي روايته مجاهيل. ومن وجه آخر عن عائشة في الافراد للدارقطني. وفيه عطاء بن عجلان. وهو متروك.]] » وحصول المغفرة: قال عليه الصلاة والسلام: «إنّ الله تعالى يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلا لكاهن أو ساحر أو مشاحن أو مدمن خمر أو عاق للوالدين، أو مصرّ على الزنا» [[لم أجد، هكذا. وفي ابن حبان من حديث معاذ بن جبل وقال يطلع إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن» وفي ابن ماجة من حديث أبى موسى كذلك. والبزار من حديث أبى بكر وفي إسناده ضعف والبزار أيضا من حديث عوف بن مالك. وفيه ابن لهيعة. ومن حديث أبى هريرة وفيه من لا يعرف. ورواه البيهقي في الشعب من حديث أبى سعيد عن عائشة. وفيها لا ينظر الله فيها إلى مشرك ولا إلى مشاحن ولا إلى قاطع رحم ولا إلى عاق ولا إلى مدمن خمر وفي رواية أنس عن عائشة التي ذكرناها في التي قبلها «المدمن والعاق والمصر على الزنا وزادوا: ولا مصور ولا قتار.]] وما أعطى فيها رسول الله ﷺ من تمام الشفاعة، وذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان في أمّته، فأعطى الثلث منها، ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطى الثلثين، ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطى الجميع، إلا من شرد عن الله شراد البعير. ومن عادة الله في هذه الليلة: أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة، والقول الأكثر: أنّ المراد بالليلة المباركة: ليلة القدر، لقوله تعالى إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ولمطابقة قوله: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ لقوله: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ وقوله تعالى شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ وليلة القدر في أكثر الأقاويل في شهر رمضان. فإن قلت: ما معى إنزال القرآن في هذه الليلة؟ قلت: قالوا أنزل جملة واحدة من السماء السابعة إلى السماء الدنيا، وأمر السفرة الكرام بانتساخه في ليلة القدر وكان جبريل عليه السلام ينزله على رسول الله ﷺ نجوما نجوما. فإن قلت: إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ما موقع هاتين الجملتين؟ قلت: هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان [[قوله «ملفوفتان» لعله من اللف والنشر المقرر في البيان، وبيانه ما بعده. (ع)]] . فسر بهما جواب القسم الذي هو قوله تعالى إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ كأنه قيل: أنزلناه، لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب، وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصا، لأنّ إنزال القرآن من الأمور الحكيمة، وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم. والمباركة: الكثيرة الخير لما يتيح [[قوله «لما يتيح الله فيها» أى يقدر. (ع)]] الله فيها من الأمور التي يتعلق بها منافع العباد في دينهم ودنياهم، ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن وحده لكفى به بركة. ومعنى يُفْرَقُ يفصل ويكتب كل أمر حكيم من أرزاق العباد وآجالهم، وجميع أمورهم منها إلى الأخرى القابلة. وقيل: يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة، ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل، ونسخه الحروب إلى جبريل، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم ونسخة المصائب إلى ملك الموت. وعن بعضهم: يعطى كل عامل بركات أعماله، فيلقى على ألسنة الخلق مدحه، وعلى قلوبهم هيبته. وقرئ: يُفْرَقُ بالتشديد. ويُفْرَقُ كل على بنائه للفاعل ونصب كل، والفارق: الله عزّ وجلّ، وقرأ زيد بن على رضى الله عنه: نفرق، بالنون، كل أمر حكيم: كل شأن ذى حكمة، أى: مفعول على ما تقتضيه الحكمة، وهو من الإسناد المجازى، لأنّ الحكيم صفة صاحب الأمر على الحقيقة، ووصف الأمر به مجاز أَمْراً مِنْ عِنْدِنا نصب على الاختصاص. جعل كل أمر جزلا فخما بأن وصفه بالحكيم، ثم زاده جزالة وكسبه فخامة بأن قال: أعنى بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا، كائنا من لدنا، وكما اقتضاء علمنا وتدبيرنا. ويجوز أن يراد به الأمر الذي هو ضد النهى، ثم إما أن يوضع موضع فرقانا الذي هو مصدر يفرق، لأنّ معنى الأمر والفرقان واحد، من حيث أنه إذا حكم بالشيء وكتبه فقد أمر به وأوجبه. أو يكون حالا من أحد الضميرين في أنزلناه: إما من ضمير الفاعل، أى: أنزلناه آمرين أمرا. أو من ضمير المفعول أى أنزلناه في حال كونه أمرا من عندنا بما يجب أن يفعل فإن قلت: إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ بم يتعلق؟ قلت: يجوز أن يكون بدلا من قوله إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ورَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ مفعولا له، على معنى: إنا أنزلنا القرآن، لأنّ من شأننا إرسال الرسل بالكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة عليهم، وأن يكون تعليلا ليفرق. أو لقوله أَمْراً مِنْ عِنْدِنا ورحمة: مفعولا به، وقد وصف الرحمة بالإرسال كما وصفها به في قوله تعالى وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ أى يفصل في هذه الليلة كل أمر. أو تصدر الأوامر من عندنا، لأنّ من عادتنا أن نرسل رحمتنا. وفصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها من باب الرحمة، وكذلك الأوامر الصادرة من جهته عز وعلا، لأنّ الغرض في تكليف العباد تعريضهم للمنافع. والأصل: إنا كنا مرسلين رحمة منا، فوضع الظاهر موضع الضمير إيذانا بأنّ الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين، وفي قراءة زيد بن على: أمر من عندنا، على: هو أمر، وهي تنصر انتصابه على الاختصاص. وقرأ الحسن: رحمة من ربك. على: تلك رحمة، وهي تنصر انتصابها بأنها مفعول له إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وما بعده تحقيق لربوبيته، وأنها لا تحق إلا لمن هذه أوصافه. وقرئ: رب السماوات ... ربكم ورب آبائكم، بالجر بدلا من ربك. فإن قلت: ما معنى الشرط الذي هو قوله إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ؟ قلت: كانوا يقرون بأن للسماوات والأرض ربا وخالقا، فقيل لهم: إنّ إرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة من الرب، ثم قيل: إن هذا الرب هو السميع العليم الذي أنتم مقرون به ومعترفون بأنه رب السماوات والأرض وما بينهما إن كان إقراركم عن علم وإيقان، كما تقول: إنّ هذا إنعام زيد الذي تسامع الناس بكرمه واشتهر وإسخاؤه إن بلغك حديثه وحدثت بقصته.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب