الباحث القرآني

قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ وصح ذلك وثبت ببرهان صحيح توردونه وحجة واضحة تدلون بها فَأَنَا أَوَّلُ من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له: [[قال محمود: «معناه إن صح وثبت برهان قاطع، فأنا أول من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له ... الخ» قال أحمد: لقد اجترأ عظيما وافتحم مهلكة في تمثيله ذلك بقول من سماه عدليا: إن كان الله خالقا للكفر في القلوب ومعذبا عليه فأنا أول القائلين إنه شيطان وليس باله، فلينقم عليه ذلك بقول القائل: قد ثبت قطعا عقلا وشرعا أنه تعالى خالق لذلك في القلوب كما خلق الايمان، وفاء بمقتضى دليل العقل الدال على أن لا خالق إلا الله، وتصديقا بمضمون قوله تعالى هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ وقوله اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وإذا ثبتت هذه المقدمة عقلا ونقلا: لزمه فرك أذنه وغل عنقه، إذ يلحد في الله إلحادا لم يسقه إليه أحد من عباده الكفرة، ولا تجرأ عليه مارد من مردة الفجرة. ومن خالف في كفر القدرية فقد وافق على كفر من تجرأ فقال هذه المقالة واقتحم هذه الضلالة بلا محالة، فانه قد صرح بكلمة الكفر على أقبح وجوهها وأشنع أنحائها: والله المسئول أن يعصمنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.]] كما يعظم الرجل ولد الملك لتعظيم أبيه، وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض، وهو المبالغة في نفى الولد والإطناب فيه، وأن لا يترك الناطق به شبهة إلا مضمحلة مع الترجمة عن نفسه بثبات القدم في باب التوحيد، وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد وهي محال في نفسها، فكان المعلق بها محالا مثلها، فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة، وفي معنى نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها. ونظيره أن يقول العدلى للمجبر [[قوله «ونظيره أن يقول العدلى للمجبر» يريد: أحد المعتزلة لأحد أهل السنة، وفي هذا التنظير من سوء الأدب في حقه تعالى ما لا يخفى. (ع)]] . إن كان الله تعالى خالقا للكفر في القلوب ومعذبا عليه عذابا سرمدا، فأنا أول من يقول: هو شيطان وليس بإله، فمعنى هذا الكلام وما وضع له أسلوبه ونظمه نفى أن يكون الله تعالى خالقا للكفر، وتنزيهه عن ذلك وتقديسه، ولكن على طريق المبالغة فيه من الوجه الذي ذكرنا، مع الدلالة على سماجة المذهب وضلالة الذاهب إليه، والشهادة القاطعة بإحالته والإفصاح عن نفسه بالبراءة منه، وغاية النفار والاشمئزاز من ارتكابه. ونحو هذه الطريقة قول سعيد بن جبير رحمه الله للحجاج حين قال له-: أما والله [[قوله «قال له: أما والله» في الصحاح: «أما» مخفف تحقيق للكلام الذي يتلوه اه. ولعل حذف الألف لغة، فليحرر. (ع)]] لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى-: لو عرفت أن ذلك إليك ما عبدت إلها غيرك. وقد تمحل الناس بما أخرجوه به من هذا الأسلوب الشريف المليء بالنكت والفوائد المستقل بإثبات التوحيد على أبلغ وجوهه، فقيل: إن كان للرحمن ولد في زعمكم، فأنا أول العابدين الموحدين لله، المكذبين قولكم بإضافة الولد إليه. وقيل: إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول الآنفين من أن يكون له ولد من عبد يعبد: إذا اشتد أنفه فهو عبد وعابد. وقرأ بعضهم: العبدين. وقيل: هي إن النافية، أى: ما كان للرحمن ولد، فأنا أول من قال بذلك وعبد ووحد، وروى أنّ النضر بن عبد الدار بن قصى قال: إن الملائكة بنات الله فنزلت، فقال النضر: ألا ترون أنه قد صدقنى. فقال له الوليد بن المغيرة: ما صدقك ولكن قال: ما كان للرحمن ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة: أن لا ولد له. وقرئ: ولد، بضم الواو. ثم نزه ذاته موصوفة بربوبية السماوات والأرض والعرش عن اتخاذ الولد، ليدل على أنه من صفة الأجسام. ولو كان جسما لم يقدر على خلق هذا العالم وتدبير أمره.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب