الباحث القرآني

لما قرأ رسول الله ﷺ على قريش إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ امتعضوا [[قوله «امتعضوا من ذلك» غضبوا منه وشق عليهم، كذا في الصحاح. (ع)]] من ذلك امتعاضا شديدا، فقال عبد الله بن الزبعرى: يا محمد، أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال عليه السلام: هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم، فقال: خصمتك ورب الكعبة، ألست تزعم أنّ عيسى ابن مريم نبىّ وتثني عليه خيرا وعلى أمه، وقد علمت أنّ النصارى يعبدونهما. وعزير يعبد. والملائكة يعبدون، فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم، ففرحوا وضحكوا، وسكت النبي ﷺ، فأنزل الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ونزلت هذه الآية [[تقدم في أواخر الأنبياء.]] . والمعنى: ولما ضرب عبد الله بن الزبعرى عيسى ابن مريم مثلا، وجادل رسول الله ﷺ بعبادة النصارى إياه إِذا قَوْمُكَ قريش من هذا المثل يَصِدُّونَ ترتفع لهم جلبة وضجيج [[قوله «ترتفع لهم جلبة وضجيج» أى صياح وكذا اللجب. أفاده الصحاح. (ع)]] فرحا وجزلا وضحكا بما سمعوا منه من إسكات رسول الله ﷺ بجدله، كما يرتفع لغط القوم ولجبهم إذا تعيوا بحجة ثم فتحت عليهم. وأمّا من قرأ: يصدّون- بالضم- فمن الصدود، أى: من أجل هذا المثل يصدّون عن الحق ويعرضون عنه. وقيل: من الصديد وهو الجلبة، وأنهما لغتان نحو: يعكف ويعكف ونظائر لهما وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ يعنون أنّ آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى، وإذا كان عيسى من حصب النار كان أمر آلهتنا هينا ما ضَرَبُوهُ أى ما ضربوا هذا المثل لَكَ إِلَّا جَدَلًا إلا لأجل الجدل والغلبة في القول، لا لطلب الميز بين الحق والباطل بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ لدّ شداد الخصومة دأبهم اللجاج، كقوله تعالى قَوْماً لُدًّا وذلك أنّ قوله تعالى إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما أريد به إلا الأصنام، وكذلك قوله عليه السلام: «هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم» إنما قصد به الأصنام، ومحال أن يقصد به الأنبياء والملائكة، إلا أن ابن الزبعرى بخبه وخداعه وخبث دخلته [[قوله «وخبث دخلته» بالضم: باطن أمره. أفاده الصحاح، (ع)]] ، لما رأى كلام الله ورسوله محتملا لفظه وجه العموم، مع علمه بأنّ المراد به أصنامهم لا غير، وجد للحيلة مساغا، فصرف معناه إلى الشمول والإحاطة بكل معبود غير الله، على طريقة المحك والجدال [[قوله «على طريقة المحك» أى: اللجاج، كما في الصحاح. (ع)]] وحب المغالبة والمكابرة، وتوقح في ذلك فتوقر رسول الله ﷺ حتى أجاب عنه ربه: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى فدل به على أنّ الآية خاصة في الأصنام، على أنّ الظاهر قوله وَما تَعْبُدُونَ لغير العقلاء. وقيل: لما سمعوا قوله تعالى إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ قالوا. نحن أهدى من النصارى، لأنهم عبدوا آدميا ونحن نعبد الملائكة، فنزلت. وقوله أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ على هذا القول: تفضيل لآلهتهم على عيسى، لأنّ المراد بهم الملائكة وما ضربوه لك إلا جدلا. معناه: وما قالوا هذا القول، يعنى: ء آلهتنا خير أم هو. إلا للجدال، وقرئ: أآلهتنا خير، بإثبات همزة الاستفهام وبإسقاطها، لدلالة أم العديلة عليها. وفي حرف ابن مسعود: خير أم هذا. ويجوز أن يكون جدلا حالا، أى: جدلين. وقيل: لما نزلت إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ قالوا: ما يريد محمد بهذا إلا أن نعبده وأنه يستأهل أن يعبد وإن كان بشرا، كما عبدت النصارى المسيح وهو بشر. ومعنى يَصِدُّونَ يضجون ويضجرون. والضمير في أَمْ هُوَ لمحمد ﷺ، وغرضهم بالموازنة بينه وبين آلهتهم: السخرية به والاستهزاء. ويجوز أن يقولوا- لما أنكر عليهم قولهم: الملائكة بنات الله وعبدوهم- ما قلنا بدعا من القول، ولا فعلنا نكرا من الفعل، فإنّ النصارى جعلوا المسيح ابن الله وعبدوه، ونحن أشف [[قوله «ونحن أشف منهم» أى: أرق. أفاده الصحاح. (ع)]] منهم قولا وفعلا، فإنا نسبنا إليه الملائكة وهم نسبوا إليه الأناسى، فقيل لهم: مذهب النصارى شرك بالله، ومذهبكم شرك مثله، وما تنصلكم مما أنتم عليه بما أوردتموه إلا قياس باطل بباطل، وما عيسى إِلَّا عَبْدٌ كسائر العبيد أَنْعَمْنا عَلَيْهِ حيث جعلناه آية: بأن خلقناه من غير سبب، كما خلقنا آدم وشرفناه بالنبوّة وصيرناه عبرة عجيبة كالمثل السائر لبنى إسرائيل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب