الباحث القرآني

فإن قلت: إذا جاءتهم آية واحدة من جملة التسع فما أختها التي فضلت عليها في الكبر من بقية الآيات؟ قلت: أختها التي هي آية مثلها. وهذه صفة كل واحدة منها فكان المعنى على أنها أكبر من بقية الآيات على سبيل التفصيل والاستقراء واحدة بعد واحدة، كما تقول: هو أفضل رجل رأيته، تريد: تفضيله على أمة الرجال الذين رأيتهم إذا قروتهم رجلا رجلا [[قوله «إذا قروتهم رجلا رجلا» أى تتبعتهم. (ع)]] ، فإن قلت: هو كلام متناقض، لأنّ معناه: ما من آية من التسع إلا هي أكبر من كل واحدة منها، فتكون واحدة منها فاضلة ومفضولة في حالة واحدة. قلت: الغرض بهذا الكلام أنهنّ موصوفات بالكبر، لا يكدن يتفاوتن فيه، وكذلك العادة في الأشياء التي تتلاقى في الفضل وتتفاوت منازلها فيه التفاوت اليسير أن تختلف آراء الناس في تفضيلها، فيفضل بعضهم هذا وبعضهم ذاك، فعلى ذلك بنى الناس كلامهم فقالوا: رأيت رجالا بعضهم أفضل من بعض، وربما اختلفت آراء الرجل الواحد فيها، فتارة يفضل هذا وتارة يفضل ذاك. ومنه بيت الحماسة: من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النجوم الّتى يسرى بها السّارى [[هينون لينون أيسار ذوو كرم ... سواس مكرمة أبناء أيسار إن يسئلوا الخير يعطوه وإن جهدوا ... فالجهد يخرج منهم طيب أخبار وإن توددتهم لانوا وإن شهموا ... كشفت أذمار شرّ غير أشرار لا ينطقون عن الفحشا وإن نطقوا ... ولا يمارون من مارى بإكثار من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النجوم التي يسرى بها الساري لعبيد بن الأبرص. وقيل للعرندس. وهينون لينون: جمع هين ولين: تخفيف هين ولين بالتشديد، على فيعل. وأيسار: جمع يسر، كقطب وأقطاب، وهو في الأصل ضد العسر، سمى به الرجل مبالغة، أو جمع يسرة كقصبة، وهي في الأصل: الخط في باطن الكف، أطلقت على الرجل إشعارا بالكرم. وسواس: جمع سائس، بمعنى مالك متصرف بالمصلحة، وبمعنى الولي المصلح، وجهده الطعام: إذا اشتاق إليه واشتهاه. وجهد الرجل فهو مجهود: أصابه القحوط والمشقة. وقوله «فالجهد يخرج منهم» جواب الشرط. ويحتمل أنه استئناف مفرغ على ما قبله. وإن جهدوا: جوابه دل عليه ما قبله. والشهامة: الخشونة، وشهمت الفرس حركته ليسرع. وأذمار شر: أى شجعان حرب: جمع ذمر ككبد، من ذمر الرجل: عبس وغضب. وذمر الأسد زأر بصوته، أى: إن حملتهم على الحرب أظهرت منهم شجعان حرب غير أشرار. وضمن النطق معنى الاخبار، فعداه بعن. ويجوز أنها بمعنى الباء. والمماراة: الجدال. وبإكثار: متعلق بمارى، أو بيمارون. من تلقه منهم تقل فيه: لاقيت أشرفهم لتساويهم في الشرف، فهم مثل النجوم في التساوي في الشرف والاهتداء والاستضاءة بكل، فكما أن النجم يهتدى به المسافر، كذلك هم يهتدى بهم المختبط الطالب للمعروف أو المتحير في أمر معضل. ويروى بدل «وإن جهدوا ... الخ» : ... وإن خبروا ... في الجهد أدرك منهم طيب أخبار أى: إن اختبروا علم كرمهم وحسن سيرتهم.]] وقد فاضلت الأنمارية بين الكملة من بنيها، ثم قالت: لما أبصرت مراتبهم متدانية قليلة التفاوت. ثكلتهم [[قوله «ثكلتهم» الثكل: فقدان المرأة ولدها. (ع)]] إن كنت أعلم أيهم أفضل، هم كالحلقة المفرّغة لا يدرى أين طرفاها لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ إرادة أن يرجعوا عن الكفر إلى الإيمان [[قال محمود: «معناه إرادة أن يرجعوا عن الكفر إلى الايمان ... الخ» قال أحمد: تقدم في غير موضع أن «لعل» حيثما وردت في سياق كلام الله تعالى فالمراد صرف الرجاء إلى المخلوقين، أى: ليكونوا بحيث يرجى منهم ذلك، هذا هو الحق. وعليه تأول سيبويه ما ورد. وأما الزمخشري فيحمل «لعل» على الارادة، لأنه. لا يتحاشى مع اعتقاد أن الله يريد شيئا ويريد العبد خلافه، فيقع مراد العبد ولا يقع مراد الرب- تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا- فما أشنعها زلة وأبشعها خلة. ولقد أساء الأدب في هذا الموضع، حتى إنه لولا تعين الرد عليه لما جرى القلم ينقل ما هذى به وما اهتدى. وقد جرى على سنن أوائله في جعل حقيقة الأمر هو الارادة وأضاف إلى ذلك اعتقاد أن العبد يوجد فعله ويخلقه، وأن مراد العبد يقع، ومراد الرب لا يقع، فهذه ظلمات ثلاث بعضها فوق بعض، نعوذ بالله من هذه الغواية: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا.]] . فإن قلت لو أراد رجوعهم لكان. قلت: إرادته فعل غيره ليس إلا أن يأمره به [[قوله «ليس إلا أن يأمره به» هذا مذهب المعتزلة. أما مذهب أهل السنة: فإرادته غير الأمر، سواء كانت لفعل نفسه أو لفعل غيره، ولا يلزم تأويل الآية بالارادة، لجواز أن يكون معناها: ليكون حالهم عند الأخذ بالعذاب حال من يرجي رجوعهم. (ع)]] ويطلب منه إيجاده، فإن كان ذلك على سبيل القسر وجد، وإلا دار بين أن يوجد وبين أن لا يوجد على حسب اختيار المكلف، وإنما لم يكن الرجوع لأنّ الإرادة لم تكن قسرا ولم يختاروه. والمراد بالعذاب: السنون، والطوفان، والجراد، وغير ذلك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب