الباحث القرآني
قرئ: ومن يعش، بضم الشين وفتحها. والفرق بينهما أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل: عشى. وإذا نظر نظر العشى ولا آفة به قيل عشا. ونظيره: عرج، لمن به الآفة [[قال محمود: «يقال عشى بصره بكسر الشين إذا أصابته الآفة ... » قال أحمد: في هذه الآية نكتتان بديعتان، إحداهما: الدلالة على أن النكرة الواقعة في سياق الشرط تفيد العموم، وهي مسألة اضطرب فيها الأصوليون وإمام الحرمين من القائلين بافادتها العموم، حتى استدرك على الأئمة إطلاقهم القول بأن النكرة في سياق الإثبات تخص، وقال: إن الشرط يعم، والنكرة في سياقه تعم. وقد رد عليه الفقيه أبو الحسن على الأنبارى شارح كتابه ردا عنيفا. وفي هذه الآية للإمام ومن قال بقوله كفاية، وذلك أن الشيطان ذكر فيها منكرا في سياق شرط، ونحن نعلم أنه إنما أراد عموم الشياطين لا واحدا لوجهين، أحدهما: أنه قد ثبت أن لكل أحد شيطانا، فكيف بالعاشى عن ذكر الله، والآخر: يؤخذ من الآية: وهو أنه أعاد عليه الضمير مجموعا في قوله وَإِنَّهُمْ فانه عائد إلى الشيطان قولا واحدا «ولولا إفادته عموم الشمول لما جاز عود ضمير الجمع عليه بلا إشكال، فهذه نكتة تجد عند إسماعها لمخالفي هذا الرأى سكتة. والنكتة الثانية: أن في هذه الآية ردا على من زعم أن العود على معنى من يمنع من العود على لفظها بعد ذلك. واحتج المانع لذلك بأنه إجمال بعد تفسير، وهو خلاف المعهود من الفصاحة.
وقد نقض الكندي هذا بقوله تعالى وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً ونقض غيره بقوله وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ ... الآية وكان جدي رحمه الله قد استخرج من هذه الآية بعض ذلك، لأنه أعاد على اللفظ في قوله: يَعْشُ ولَهُ مرتين، ثم على المعنى في قوله لَيَصُدُّونَهُمْ ثم على اللفظ بقوله حَتَّى إِذا جاءَنا وقد قدمت أن الذي منع ذلك قد يكون اقتصر بمنعه على مجيء ذلك في جملة واحدة وأما إذا تعددت الجمل واستفلت كل بنفسها فقد لا يمنع ذلك حتى رددت على الزمخشري في قوله تعالى لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً فان الجملة واحدة، فانظره في موضعه.]] .
وعرج، لمن مشى مشية العرجان من غير عرج. قال الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره [[كسوب ومتلاف إذا ما سألته ... تهلل واهتز اهتزاز المهند
وذاك امرؤ إن يعطك اليوم نائلا ... بكفيه لم يمنعك من نائل الغد
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
للحطيئة، يقول: هو كثير الكسب وكثير الإتلاف، وبينهما طباق التضاد: إذا سألته أجابك بسرعة وطلاقة وجه وهو المراد بقوله: تهلل واهتز كاهتزاز السيف المطلق من حديد الهند، إذا أعطاك اليوم عطاء بكفيه معا كناية عن كثرة العطاء، وسألته في غد أعطاك أيضا. وعشى يعشى كرضى يرضى: إذا كان ببصره آفة. وعشى يعشو: إذا تعاشى بغير آفة. والمعنى: منى تأته على هيئة الأعشى- مجاز عن إظهار الفاقة- تجده أكرم الناس، عبر عنه بذلك على طريق الكناية.]]
أى: تنظر إليها نظر العشىّ لما يضعف بصرك من عظم الوقود واتساع الضوء. وهو بين في قوله حاتم:
أعشو إذا ما جارتى برزت ... حتّى يوارى جارتى الخدر [[ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر
ما ضرني جار أجاوره ... ألا يكون لبابه ستر
أعشو إذا ما جارتى برزت ... حتى يوارى جارتى الخدر
لحاتم الطائي: وعشى يعشى كرضى يرضى: صار لا يبصر ليلا، وعشا يعشو كدعا يدعو: إذا نظر كنظر الأعشى.
يقول: إن ناري هي نار جارى، وتنزل قدرى إليه ليأكل منها قبلي أو ناري ونار جارى واحدة في الزمن والقوة ومع ذلك تنزل قدره إليه قبلي ليأكلها سريعا خوف اطلاع أحد عليه. لكن يبعد هذا أن المقام ليس لذم الجار بل للمدح. ثم هذا كناية عن شدة كرمه على غيره، ثم وصف نفسه بالعفة بقوله: ما ضرني جار من جيراني بمسبة ولا غيرها من أن لا يكون لبابه حجاب يستر أهله، فانى أتغافل وأغض بصرى إذا خرجت جارتى، حتى يسترها بينها. وأتى بالظاهر موضع المضمر ليفيد أنه ينبغي مراعاة حق الجوار. والاحتمال الأول أقعد، لأن معناه أنه يبره ويعف عن محارمه. وأما الثاني ففيه ذم جاره، وهو لا يلائم بعده.]] وقرئ: يعشو، على أنّ من موصولة غير مضمنة معنى الشرط. وحق هذا القارئ أن يرفع نقيض. ومعنى القراءة بالفتح: ومن يعم عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ وهو القرآن، كقوله تعالى صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ وأما القراءة بالضم فمعناها: ومن يتعام عن ذكره، أى: يعرف أنه الحق وهو يتجاهل ويتغابى، كقوله تعالى وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ. نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً نخذله [[قوله «نقيض له شيطانا: نخذله» تأويله بذلك مبنى على أنه تعالى لا يفعل القبيح، وهو مذهب المعتزلة. وعند أهل السنة أنه فاعل الكائنات كلها، فالآيات على ظاهرها (ع)]] ونخل بينه وبين الشياطين، كقوله تعالى وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ وقرئ: يقيض، أى: يقيض له الرحمن ويقيض له الشيطان. فإن قلت: لم جمع ضمير من وضمير الشيطان في قوله وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ؟ قلت: لأنّ مَنْ مبهم في جنس العاشى، وقد قيض له شيطان مبهم في جنسه، فلما جاز أن يتناولا لإبهامهما غير واحدين: جاز أن يرجع الضمير إليهما مجموعا حَتَّى إِذا جاءَنا العاشى. وقرئ: جاءانا، على أنّ الفعل له ولشيطانه. قالَ لشيطانه يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ يريد المشرق والمغرب، فغلب. كما قيل: العمران والقمران. فإن قلت: فما بعد المشرقين؟ قلت: تباعدهما، والأصل: بعد المشرق من المغرب، والمغرب من المشرق. فلما غلب وجمع المفترقين بالتثنية: أضاف البعد إليهما أَنَّكُمْ في محل الرفع على الفاعلية، يعنى: ولن ينفعكم كونكم مشتركين في العذاب كما ينفع الواقعين في الأمر الصعب اشتراكهم فيه، لتعاونهم في تحمل أعبائه وتقسمهم لشدّته وعنائه، وذلك أنّ كل واحد منكم به من العذاب ما لا تبلغه طاقته، ولك أن تجعل الفعل للتمني في قوله يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ على معنى: ولن ينفعكم اليوم ما أنتم فيه من تمنى مباعدة القرين. وقوله أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ تعليل، أى: لن ينفعكم تمنيكم، لأنّ حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه وهو الكفر. وتقوّيه قراءة من قرأ: إنكم بالكسر. وقيل: إذا رأى الممنوّ بشدّة [[قوله «إذا رأى الممنو بشدة» أى المبتلى. ومنى: أى ابتلى. أفاده الصحاح (ع)]] من منى بمثلها: روّحه ذلك ونفس بعض كربه، وهو التأسى الذي ذكرته الخنساء: أعزى النّفس عنه بالتّأسى [[يذكرني طلوع الشمس صخرا ... وأذكره بكل غروب شمس
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخى ولكن ... أعزى النفس عنه بالتأسى
للخنساء ترثى أخاها. وإسناد التذكير الطلوع: مجاز عقلى، لأنه سبب في تذكيرها إياه، وكذلك الغروب حيث كان ذهابه عند الأول وإيابه عند الثاني عادة. أو لأنه يذهب في الأول للغارات، ويجلس في الثاني مع الضيفان. أو لأن طلوعها يشبه طلعته، وغروبها: يشبه موته. وفيه نوع من البديع يسمى التنكيت: وهو الإتيان بلفظ يسد غيره مسده، لولا نكتة فيه ترجح اختصاصه بالذكر: لكان اختصاصه خطأ، كما في اختصاص الوقتين هنا. أفاده السيوطي في شرح عقود الجمان. وفيه أيضا نوع آخر يسمى الادماج: وهو أن يضمن كلام سيق لمعنى معنى آخر، كما ضمن الكلام المسوق هنا لمعنى الرثاء معنى المدح بالشجاعة والكرم. أو بحسن الطلعة. والباء في «بكل» سببيه.
ويحتمل أن الاسناد للأول من باب الاسناد للزمان، فتكون الباء في الثاني بمعنى «في» أو «مع» وذكر الشمس ثانيا في آخر المصراع الثاني من باب رد العجز على الصدر. وأعزى النفس: أسليها وأصبرها عنه بالتأسى، أى:
الاقتداء بغيري من أهل المصائب وفي اقتدائها بالباكين من الرجال: إشعار بتجلدها وعظم شأنها مثلهم. وروى «على أمواتهم» بدل: «على إخوانهم» ، و «أسلى» بدل «أعزى» .]]
فهؤلاء لا يؤسيهم اشتراكهم ولا يروّحهم، لعظم ما هم فيه. فإن قلت: ما معنى قوله تعالى إِذْ ظَلَمْتُمْ؟ قلت: معناه: إذ صح ظلمكم وتبين ولم يبق لكم ولا لأحد شبهة في أنكم كنتم ظالمين، وذلك يوم القيامة. وإذ: بدل من اليوم. ونظيره:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة [[مر شرح هذا الشاهد بالجزء الثالث صفحة 40 فراجعه إن شئت اه مصححه.]]
أى: تبين أنى ولد كريمة.
{"ayahs_start":36,"ayahs":["وَمَن یَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ نُقَیِّضۡ لَهُۥ شَیۡطَـٰنࣰا فَهُوَ لَهُۥ قَرِینࣱ","وَإِنَّهُمۡ لَیَصُدُّونَهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِیلِ وَیَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ","حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَنَا قَالَ یَـٰلَیۡتَ بَیۡنِی وَبَیۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَیۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِینُ","وَلَن یَنفَعَكُمُ ٱلۡیَوۡمَ إِذ ظَّلَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ فِی ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ"],"ayah":"وَمَن یَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ نُقَیِّضۡ لَهُۥ شَیۡطَـٰنࣰا فَهُوَ لَهُۥ قَرِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق