الباحث القرآني

فإن قلت: قد جعل مجيء الحق والرسول غاية التمتيع، ثم أردفه [[قال محمود: «فان قلت: قد جعل مجيء الحق والرسول غاية التمتيع، ثم أردفه ... الخ» قال أحمد: كلام نفيس لا مزيد عليه، إلا أن قوله: «خيل بهذه الغاية أنهم تنبهوا عندها» إطلاق ينبغي اجتنابه، والله أعلم وما أحسن مجيء الغاية على هذا النحو مجيء الاضراب في بعض التارات، فكما جاءت الغاية هنا- وليس المراد بها أن الفعل المذكور قبلها منقطع عندها على ما هو المفهوم منها، بل المراد استمراره وزيادته، فكأن تلك الحالة النافعة انتهت بوجود ما هو أكمل منها- كذلك الاضراب في مثل قوله تعالى بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ وهذه الاضرابات ليست على معنى أن الثاني منها رد للأول، بل ثانيها آكد من أولها، وجاء الاضراب مع التوافق والزيادة للاشعار بأن الثاني لما زاد على الأول صار باعتبار زيادته ونقصان الأول كأنهما شيئان متنافيان يضرب عن أولهما ويثبت آخرهما، ومثله كثير وبالله التوفيق.]] قوله وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ فما طريقة هذا النظم ومؤداه؟ قلت: المراد بالتمتيع ما هو سبب له، وهو اشتغالهم بالاستمتاع عن التوحيد ومقتضياته، فقال: بل اشتغلوا عن التوحيد حتى جاءهم الحق ورسول مبين، فخيل بهذه الغاية أنهم تنبهوا عندها عن غفلتهم لاقتضائها التنبه، ثم ابتدأ قصتهم عند مجيء الحق فقال: ولما جاءهم الحق جاءوا بما هو شر من غفلتهم التي كانوا عليها: وهو أن ضموا إلى شركهم معاندة الحق، ومكابرة الرسول، ومعاداته، والاستخفاف بكتاب الله وشرائعه، والإصرار على أفعال الكفرة والاحتكام على حكمة الله في تخير محمد من أهل زمانه بقولهم لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ وهي الغاية في تشويه صورة أمرهم. قرئ على رجل، بسكون الجيم من القريتين: من إحدى القريتين، كقوله تعالى يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ أى من أحدهما. والقريتان: مكة والطائف. وقيل: من رجلي القريتين، وهما: الوليد بن المغيرة المخزومي وحبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، عن ابن عباس. وعن مجاهد: عتبة بن ربيعة وكنانة بن عبد ياليل. وعن قتادة: الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي، وكان الوليد يقول: لو كان حقا ما يقول محمد لنزل هذا القرآن علىّ أو على أبى مسعود الثقفي، وأبو مسعود: كنية عروة بن مسعود ما زالوا ينكرون أن يبعث الله بشرا رسولا، فلما علموا بتكرير الله الحجج أن الرسل لم يكونوا إلا رجالا من أهل القرى، جاءوا بالإنكار من وجه آخر، وهو تحكمهم أن يكون أحد هذين، وقولهم: هذا القرآن ذكر له على وجه الاستهانة به، وأرادوا بعظم الرجل: رياسته وتقدّمه في الدنيا، وعزب عن عقولهم أن العظيم من كان عند الله عظيما.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب