الباحث القرآني

أَإِنَّكُمْ بهمزتين [[قوله «أإنكم بهمزتين» لعله: قرئ بهمزتين ... الخ. (ع)]] : الثانية بين بين. وءائنكم، بألف بين همزتين ذلِكَ الذي قدر على خلق الأرض في مدة يومين. هو رَبُّ الْعالَمِينَ...... رَواسِيَ جبالا ثوابت. فإن قلت: ما معنى قوله مِنْ فَوْقِها وهل اختصر على قوله وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ كقوله تعالى وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ، وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ، وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ؟ قلت: لو كانت تحتها كالأساطين لها تستقر عليها، أو مر كوزة فيها كالمسامير: لمنعت من الميدان أيضا، وإنما اختار إرساءها فوق الأرض، لتكون المنافع في الجبال معرضة لطالبيها، حاضرة محصليها، وليبصر أن الأرض والجبال أثقال على أثقال، كلها مفتقرة إلى ممسك لا بد لها منه، وهو ممسكها عز وعلا بقدرته وَبارَكَ فِيها وأكثر خيرها وأنماه وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها أرزاق أهلها ومعايشهم وما يصلحهم. وفي قراءة ابن مسعود: وقسم فيها أقواتها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً فذلكة لمدة خلق الله الأرض وما فيها، كأنه قال: كل ذلك في أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان. قيل: خلق الله الأرض في يوم الأحد ويوم الاثنين، وما فيها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء. وقال الزجاج. في أربعة أيام في تتمة أربعة أيام، يريد بالتتمة اليومين. وقرئ: سواء، بالحركات الثلاث: الجر على الوصف والنصب على: استوت سواء، أى: استواء: والرفع على: هي سواء. فإن قلت: بم تعلق قوله لِلسَّائِلِينَ؟ قلت: بمحذوف، كأنه قيل: هذا الحصر لأجل من سأل: في كم خلقت الأرض وما فيها؟ أو يقدر: أى: قدر فيها الأقوات لأجل الطالبين لها المحتاجين إليها من المقتاتين. وهذا الوجه الأخير لا يستقيم إلا على تفسير الزجاج [[قال محمود: «إن قوله فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فذلكة بمدة خلق الله الأرض وما فيها، كأنه قال: وقدر فيها أقواتها في يومين آخرين، فذلك أربعة أيام سواء. وقال: ومعنى سواء: كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان. ونقل عن الزجاج أن معنى الآية في تتمة أربعة أيام، يريد بالتتمة: اليومين، ثم قال: فان قلت بم تعلق قوله لِلسَّائِلِينَ؟ وأجاب بأنه متعلق بمحذوف، كأنه قيل: هذا الحصر لأجل من سأل: في كم خلقت الأرض وما فيها؟ أو يقدر، أى: قدر فيها الأقوات لأجل السائلين المحتاجين إليها من المقتاتين، ثم قال: وهذا الوجه الأخير. لا يستقيم إلا على تفسير الزجاج» قال أحمد: لم يبين استناعه على التفسير الأول ونحن نبينه فنقول: مقتضى التفسير الأول أن قوله في أربعة أيام فذلكة، ومن شأنها الوقوع في طرف الكلام بعد تمامه، فلو جعل قوله لِلسَّائِلِينَ متعلقا بمقدر: لزم وقوع الفذلكة في حشو الكلام، ولا كذلك على تفسير الزجاج، فان الأربعة على قوله من تتمة الأول، وهي متعلقة بمقدر على تأويل حذف التتمة تعلق الظرف بالمظروف، ليلائم ذلك إتمام الكلام ببيان المقصود من خلق الأقوات بعد بيان من خلقها. وتفسير الزجاج- والله أعلم- أرجح، فإنه يشتمل على ذكر مدة خلق الأقوات بالتأويل القريب الذي قدره، ومتضمن لما يقوم مقام الفذلكة، إذ ذكر جملة العدد الذي هو ظرف لخلقها وخلق أقواتها، وعلى تفسير الزمخشري تكون الفذلكة مذكورة من غير تقدم تصريح بجملة تفاصيلها، فانه لم يذكر منها سوى يومين خاصة، ومن شأن الفذلكة أن يتقدم النص على جميع أعدادها مفصلة، ثم تأتى هي على الجملة كقوله فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ.]] . فإن قلت: هلا قيل في يومين؟ وأى فائدة في هذه الفذلكة؟ قلت: إذا قال في أربعة أيام وقد ذكر أن الأرض خلقت في يومين، علم أن ما فيها خلق في يومين، فبقيت المخايرة بين أن تقول في يومين وأن تقول في أربعة أيام سواء، فكانت في أربعة أيام سواء فائدة ليست في يومين، وهي الدلالة على أنها كانت أياما كاملة بغير زيادة ولا نقصان. ولو قال: في يومين- وقد يطلق اليومان على أكثرهما- لكان يجوز أن يريد باليومين الأولين والآخرين أكثرهما ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ من قولك: استوى إلى مكان كذا، إذا توجه إليه توجها لا يلوى على شيء، وهو من الاستواء الذي هو ضد الاعوجاج، ونحوه قولهم: استقام إليه وامتد إليه. ومنه قوله تعالى فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ والمعنى: ثم دعاه داعى الحكمة إلى خلق السماء بعد خلق الأرض وما فيها من غير صارف يصرفه عن ذلك. قيل: كان عرشه قبل خلق السماوات والأرض على الماء، فأخرج من الماء دخانا، فارتفع فوق الماء وعلا عليه، فأيبس الماء فجعله أرضا واحدة، ثم فتقها فجعلها أرضين، ثم خلق السماء من الدخان المرتفع. ومعنى أمر السماء والأرض بالإتيان وامتثالهما: أنه أراد تكوينهما فلم يمتنعا عليه، ووجدتا كما أرادهما، وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إذا ورد عليه فعل الآمر المطاع، [[قوله «فعل الآمر المطاع» لعله: أمر الآمر. (ع)]] وهو من المجاز الذي يسمى التمثيل. ويجوز أن يكون تخييلا ويبنى الأمر فيه على أن الله تعالى كلم السماء والأرض وقال لهما: ائتيا شئتما ذلك أو أبيتماه، فقالتا. أتينا على الطوع لا على الكره. والغرض تصوير [[قوله «تصوير أثر قدرته» لعله: تأثير. (ع)]] أثر قدرته في المقدورات لا غير، من غير أن يحقق شيء من الخطاب والجواب. ونحوه قول القائل: قال الجدار للوتد: لم تشقني؟ قال الوتد: اسأل من يدقني، فلم يتركني، ورائي الحجر الذي ورائي [[قال محمود: «إما أن يكون هذا من مجاز التمثيل كأن عدم امتناعهما على قدرته امتثال المأمور المطيع إذا ورد عليه الأمر المطاع، فهذا وجه. واما أن يكون تخييلا فيبنى الأمر فيه على أن الله تعالى كلم السماوات والأرض فأجابتاه، والغرض منه تصوير أثر القدرة في المقدور من غير أن يحقق شيئا من الخطاب والجواب، ومثله قول القائل: قال الحائط للوتد لم تشقني؟ فقال الوتد: اسأل من يدفنى لم يتركني ورائي الحجر الذي ورائي» قال أحمد: قد تقدم إنكارى عليه إطلاق التخييل على كلام الله تعالى، فان معنى هذا الإطلاق لو كان صحيحا والمراد منه التصوير لوجب اجتناب التعبير عنه بهذه العبارة، لما فيها من إيهام وسوء أدب، والله أعلم.]] . فإن قلت، لم ذكر الأرض مع السماء وانتظمها في الأمر بالإتيان، والأرض مخلوقة قبل السماء بيومين؟ قلت: قد خلق جرم الأرض أولا غير مدحوّة، ثم دحاها بعد خلق السماء، كما قال تعالى وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها فالمعنى. ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل والوصف: ائتى يا أرض مدحوّة قرارا ومهادا لأهلك، وائتي يا سماء مقببة سقفا لهم. ومعنى الإتيان: الحصول والوقوع، كما تقول: أتى عمله مرضيا، وجاء مقبولا. ويجوز أن يكون المعنى: لتأت كل واحدة منكما صاحبتها الإتيان الذي أريده ونقتضيه الحكمة والتدبير: من كون الأرض قرارا للسماء، وكون السماء سقفا للأرض. وتنصره قراءة من قرأ: آتيا، وآتينا: من المؤاتاة وهي الموافقة: أى: لتوات كل واحدة أختها ولتوافقها. قالتا، وافقنا وساعدنا. ويحتمل وافقا أمرى ومشيئتى ولا تمتنعا. فإن قلت: ما معنى طوعا أو كرها؟ قلت: هو مثل للزوم تأثير قدرته فيهما، وأن امتناعهما من تأثير قدرته محال، كما يقول الجبار لمن تحت يده: لتفعلن هذا شئت أو أبيت، ولتفعلنه طوعا أو كرها. وانتصابهما على الحال، بمعنى: طائعتين أو مكرهتين. فإن قلت: هلا قيل: طائعتين على اللفظ؟ أو طائعات على المعنى؟ لأنها سماوات وأرضون. قلت: لما جعلن مخاطبات ومجيبات، ووصفن بالطوع والكره قيل: طائعين، في موضع: طائعات، نحو قوله السَّاجِدِينَ [[قال محمود: فان قلت لم ذكر الأرض مع السماء وانتظمها في الأمر بالإتيان معها والأرض مخلوقة قبل السماء بيومين؟ وأجاب بأنه قد خلق جرم الأرض أو لا غير مدحوة، ثم دحاها بعد خلق السماء كما قال وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها فالمعنى: ائتيا على ما ينبغي من الشكل: ائتي يا أرض مدحوة وفرارا ومهادا، واثنى يا سماء سقفا مقبية. ثم قال: فان قلت ما معنى طوعا أو كرها، وأجاب بأنه تمثيل للزوم تأثير القدرة فيهما، كما يقول الجبار لمن تحت يده: افعل هذا شئت أو أبيت. ثم قال: فان قلت: هلا قيل طائعتين، على اللفظ. وطائعات، على المعنى، لأنها سماوات وأرضون. وأجاب بأنه لما جعلن مخاطبات ومجيبات وموصوفات بالطوع والكره. قيل: طائعين في موضع طائعات، نحو قوله ساجدين» قال أحمد: لم يحقق الجواب عن السؤال الآخر، وذلك أن في ضمن الآية سؤالين: أحدهما لم ذكرها وهي مؤنثة، وهذا هو السؤال الذي أورده. الثاني أنى بها على جمع العقلاء وهي لا تعقل، وهذا لم يذكره، فالجواب الذي ذكره مختص بالسؤال الذي لم يذكره، ولهذا نظره بقوله السَّاجِدِينَ فان تلك الآية ليس فيها سوى السؤال عن كونها جمعت جمع العقلاء، فأما السؤال الآخر فلا، لأن الكلام راجع إلى الكواكب وهي مذكرة، والشمس وإن كانت مؤنثة إلا أنه غلب في الكلام المذكر على المؤنث على المنهاج المعروف، فأما هذه الآية فتزيد على تلك بهذا السؤال الآخر: وهو أن جميع ما تقدم ذكره من السماوات والأرض مؤنثة، فيقال أولا: لم ذكرها، وثانيا: لم أتى جمعها المذكر على جمع نعت جمع العقلاء، ليتحقق نسبة السؤال والجواب، والطوع اللاتي تختص بالعقلاء لا بها، ولم يوجد في جمع المؤنث عدول إلى جمع المذكر لوجود الصيغة المرشدة إلى العقل فيه، فتمت الفائدة بذلك على تأويل السماوات والأرض بالأفلاك مثلا وما في معناه من المذكر، ثم يغلب المذكر على المؤنث ولا يعدم مثل هذا التأويل في الأرضين أيضا.]] . فَقَضاهُنَّ يجوز أن يرجع الضمير فيه إلى السماء على المعنى كما قال طائِعِينَ ونحوه أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ ويجوز أن يكون ضميرا مبهما مفسرا بسبع سماوات، والفرق بين النصبين أن أحدهما على الحال، والثاني على التمييز، قيل خلق الله السماوات وما فيها في يومين: في يوم الخميس والجمعة، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة، فخلق فيها آدم وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة. وفي هذا دليل على ما ذكرت، من أنه لو قيل: في يومين في موضع أربعة أيام سواء، لم يعلم أنهما يومان كاملان أو ناقصان [[قال محمود: «قيل: إن الله تعالى خلق السماوات وما فيها في يوم الخميس ويوم الجمعة، وفرغ آخر ساعة من يوم الجمعة، وخلق آدم في تتمة اليوم، وفيه تقوم القيامة ثم استدل بذلك على ما ذكره من أنه لو قال: في يومين، في موضع أربعة أيام سواء، لم يعلم أنهما يومان كاملان أو ناقصان» قال أحمد: كأنه يستدل بإهمال اليومين عن التأكيد، حيث لم يكن خلق السماوات بما فيها في جملة اليومين، على أنه إنما فذلك أيام خلق الأرض بما فيها: لأنه لو فصلها لم يكن فيها دليل على استيعاب الخلق لكل يومين منها، بل كان يجوز أن يكون الخلق في أحد اليومين وبعض الآخر، كما كان في هذه الآية على النقل الذي ذكر، وهذا لا يتم له منه غرض، فان للقائل أن يقول: إنما كان خلق السماوات بما فيها في يومين كاملين، لأن آدم لم يكن في السماوات حينئذ ويخلقه كمل اليومان على مقتضى ما نقله، فتأمله.]] . فإن قلت: فلو قيل: خلق الأرض في يومين كاملين وقدر فيها أقواتها في يومين كاملين. أو قيل بعد ذكر اليومين: تلك أربعة سواء؟ قلت: الذي أورده سبحانه أخصر وأفصح وأحسن طباقا لما عليه التنزيل من مغاصاة القرائح ومصاك المركب، [[قوله «من مغاصاة القرائح ومصاك الركب» أى أمكنة الغوص على اللؤلؤ، وأمكنة اصطكاك الركب. (ع)]] ليتميز الفاضل من الناقص، والمتقدم من الناكص، وترتفع الدرجات، ويتضاعف الثواب أَمْرَها ما أمر به فيها ودبره من خلق الملائكة والنيرات وغير ذلك. أو شأنها وما يصلحها وَحِفْظاً وحفظناها حفظا، يعنى من المسترقة بالثواقب. ويجوز أن يكون مفعولا له على المعنى، كأنه قال: وخلقنا المصابيح زينة وحفظا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب