الباحث القرآني
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ وما أرسلنا رسولا قط إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ بسبب إذن اللَّه في طاعته، وبأنه أمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه ويتبعوه، لأنه مؤدّ عن اللَّه، فطاعته طاعة اللَّه ومعصيته معصية اللَّه مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ ويجوز أن يراد بتيسير اللَّه وتوفيقه في طاعته وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالتحاكم إلى الطاغوت جاؤُكَ تائبين من النفاق متنصلين عما ارتكبوا فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ من ذلك بالإخلاص، وبالغوا في الاعتذار إليك من إيذائك بردّ قضائك، حتى انتصبت شفيعا لهم إلى اللَّه ومستغفراً لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً لعلموه توابا، أى لتاب عليهم. ولم يقل: واستغفرت لهم، وعدل عنه [[قال محمود: وإنما لم يقل واستغفرت لهم لأنه عدل به ... الخ» قال أحمد: وفي هذا النوع من الالتفات خصوصية، وهي اشتماله على ذكر صفة مناسبة لما أضيف إليه، وذلك زائد على الالتفات بذكر الأعلام الجامدة، واللَّه الموفق.]] إلى طريقة الالتفات، تفخيما لشأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وتعظيما لاستغفاره، وتنبيها على أن شفاعة من اسمه الرسول من اللَّه بمكان فَلا وَرَبِّكَ معناه فو ربك، [[قال محمود «معناه فو ربك و «لا» مزيدة لتأكيد ... الخ» قال أحمد: يشير إلى أن (لا) لما زيدت مع القسم وإن لم يكن المقسم به، دل ذلك على أنها إنما تدخل فيه لتأكيد القسم، فإذا دخلت حيث يكون المقسم عليه نفياً، تعين جعلها لتأكيد القسم، طردا للباب. والظاهر عندي واللَّه أعلم: أنها هنا لتوطئة النفي المقسم عليه، والزمخشري لم يذكر مانعا من ذلك، وحاصل ما ذكره مجيئها لغير هذا المعنى في الإثبات وذلك لا يأبى مجيئها في النفي على الوجه الآخر من التوطئة، على أن في دخولها على القسم المثبت نظراً، وذلك أنها لم ترد في الكتاب العزيز إلا مع القسم، حيث يكون بالفعل، مثل (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) ، (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) ، (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) ، (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ) ولم تدخل أيضا إلا على القسم بغير اللَّه تعالى، ولذلك سر يأبى كونها في آية النساء لتأكيد القسم. ويعين كونها للتوطئة، وذلك أن المراد بها في جميع الآيات التي عددناها، تأكيد تعظيم المقسم به، إذ لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له فكأنه بدخولها يقول: إن إعظامى لهذه الأشياء بالقسم بها كلا إعظام، يعنى أنها تستوجب من التعظيم فوق ذلك، وهذا التأكيد إنما يؤتى به رفعا لتوهم كون هذه الأشياء غير مستحقة للتعظيم وللاقسام بها، فيزاح هذا الوهم بالتأكيد في إبراز فعل القسم مؤكداً بالنفي المذكور. وقد قرر الزمخشري هذا المعنى في دخول (لا) عند قوله: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) على وجه مجمل هذا بسطه وإيضاحه، فإذا بين ذلك، فهذا الوهم الذي يراد إزاحته في القسم بغير اللَّه مندفع في الأقسام باللَّه، فلا يحتاج إلى دخول (لا) مؤكدة للقسم فيتعين حملها على الموطئة، ولا تكاد تجدها في غير الكتاب العزيز داخلة على قسم مثبت. وأما دخولها في القسم وجوابه نفى فكثير مثل:
فلا وأبيك ابنة العامري ... لا يدعى القوم أنى أفر
وكقوله:
ألا نادت أمامة باحتمال ... لتحزننى فلا بك ما أبالى
وقوله:
رأى برقا فأوضع فوق بكر ... فلا بك ما أسال ولا أقاما
وقوله:
فخالف فلا واللَّه تهبط تلعة ... من الأرض إلا أنت للذل عارف
وهو أكثر من أن يحصى فتأمل هذا الفصل فانه حقيق بالتأمل.]] كقوله تعالى فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ و «لا» مزيدة لتأكيد معنى القسم، كما زيدت في: (لِئَلَّا يَعْلَمَ) لتأكيد وجود العلم. ولا يُؤْمِنُونَ جواب القسم فإن قلت: هلا زعمت أنها زيدت لتظاهر (فَلا) في: (لا يُؤْمِنُونَ) ؟ قلت: يأبى ذلك استواء النفي والإثبات فيه، وذلك قوله: (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ فيما اختلف بينهم واختلط، ومنه الشجر لتداخل أغصانه حَرَجاً ضيقاً، أى لا تضيق صدورهم من حكمك، وقيل: شكا، لأنّ الشاك في ضيق من أمره حتى يلوح له اليقين وَيُسَلِّمُوا وينقادوا ويذعنوا لما تأتى به من قضائك، لا يعارضوه بشيء، من قولك:
سلم الأمر للَّه وأسلم له، وحقيقة سلم نفسه وأسلمها، إذا جعلها سالمة له خالصة، وتَسْلِيماً تأكيد للفعل بمنزلة تكريره. كأنه قيل: وينقادوا لحكمه انقياداً لا شبهة فيه، بظاهرهم وباطنهم. قيل:
نزلت في شأن المنافق واليهودي. وقيل: في شأن الزبير وحاطب بن أبى بلتعة وذلك أنهما اختصما إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في شراج من الحرّة، كانا يسقيان بها النخل، فقال «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك» [[قال ابن أبى حاتم: حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن سعيد بن المسيب- قوله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) - الآية قال: نزلت في الزبير بن العوام، وحاطب بن أبى بلتعة: اختصما في ماء فقضى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يسقى الأعلى ثم الأسفل» وأصله في الصحيحين أتم من هذا من غير تسمية حاطب. أخرجاه من طريق الزهري عن عروة قال «اختصم الزبير ورجل من الأنصار في شراج الحرة فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك. فقال الأنصارى: يا رسول اللَّه، إن كان ابن عمتك؟
فتلون وجهه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم قال: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك واستوعب الزبير حقه في صريح الحكم. قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) الآية وروى أنهما لما خرجا مرا على المقداد: فقال قاتل اللَّه هؤلاء، يشهدون أنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثم يتهمونه على قضاء يقضى بينهم، وايم اللَّه لقد أذنبنا مرة في حياة موسى عليه السلام فدعانا إلى التوبة منه وقال: اقتلوا أنفسكم، ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفاً في طاعة ربنا حتى رضى عنا فقال ثابت بن قيس بن شماس:
أما واللَّه إن اللَّه يعلم منى الصدق، لو أمرنى أن أقتل نفسي لقتلتها» ذكره الثعلبي في تفسيره بغير سند عن الصالحي، وإسناده إليه أول الكتاب.]] فغضب حاطب وقال: لأن كان ابن عمتك؟ فتغير وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم قال: «اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر واستوف حقك، ثم أرسله إلى جارك» كان قد أشار على الزبير برأى فيه السعة له ولخصمه فلما أحفظ»
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، استوعب للزبير حقه في صريح الحكم، ثم خرجا فمرا على المقداد، فقال: لمن كان القضاء؟ فقال الأنصارى: قضى لابن عمته، ولوى شدقه. ففطن يهودى كان مع المقداد فقال: قاتل اللَّه هؤلاء، يشهدون أنه رسول اللَّه ثم يتهمونه في قضاء يقضى بينهم، وايم اللَّه، لقد أذنبنا ذنبا مرّة في حياة موسى، فدعانا إلى التوبة منه وقال: اقتلوا أنفسكم، ففعلنا، فبلغ قتلانا سبعين ألفا في طاعة ربنا حتى رضى عنا. فقال ثابت بن قيس بن شماس: أما واللَّه إنّ اللَّه ليعلم منى الصدق، لو أمرنى محمد أن أقتل نفسي لقتلتها. وروى أنه قال ذلك ثابت وابن مسعود وعمار بن ياسر، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «والذي نفسي بيده إنّ من أمتى رجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي» [[لم أجده هكذا، وإنما ذكره الثعلبي عن الحسن ومقاتل قالا: لما نزلت هذه الآية قال عمر، وعمار وابن مسعود «واللَّه لو أمرنا اللَّه لفعلنا، والحمد للَّه الذي عافانا» فبلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلم ذلك فقال- فذكره]] . وروى عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه أنه قال: واللَّه لو أمرنا ربنا لفعلنا، والحمد للَّه الذي لم يفعل بنا ذلك، فنزلت الآية في شأن حاطب، ونزلت في شأن هؤلاء.
{"ayahs_start":64,"ayahs":["وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِیُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ جَاۤءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُوا۟ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُوا۟ ٱللَّهَ تَوَّابࣰا رَّحِیمࣰا","فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا یَجِدُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَرَجࣰا مِّمَّا قَضَیۡتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمࣰا"],"ayah":"فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا یَجِدُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَرَجࣰا مِّمَّا قَضَیۡتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق