الباحث القرآني

التخويل: مختص بالتفضل. يقال: خولني، إذا أعطاك على غير جزاء عَلى عِلْمٍ أى على علم منى أنى سأعطاه، لما فىّ من فضل واستحقاق. أو على علم من الله بى وباستحقاقى [[قال محمود: «معناه على علم من الله بى وباستحقاقى ... الخ» قال أحمد: كذلك يقول على قدرى تمنى على الله أن يثيبه في الآخرة: أن الفرق بين حمد الدنيا وحمد الآخرة أن حمد الدنيا واجب على العبد، لأنه على نعمة متفضل بها، وحمد الآخرة ليس بواجب عليه، لأنه على نعمة واجبة على الله عز وجل، ولقد صدق الله إذ يقول: وهي فتنة إنما سلم منها أهل السنة، إذ يعتقدون أن الثواب بفضل الله وبرحمته لا باستحقاق، ويتبعون في ذلك قول سيد البشر ﷺ: لا يدخل أحد الجنة بعمله. قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته، فما أحمق من منى نفسه وركب رأسه، وطمع أنه يستحق على الله الجنة.]] أو على علم منى بوجوه الكسب، كما قال قارون عَلى عِلْمٍ عِنْدِي. فإن قلت: لم ذكر الضمير في أُوتِيتُهُ وهو للنعمة؟ قلت: ذهابا به إلى المعنى، لأنّ قوله نِعْمَةً مِنَّا شيئا من النعم وقسما منها. ويحتمل أن تكون «ما» في إنما موصولة لا كافة، فيرجع إليها الضمير. على معنى: أن الذي أوتيته على علم بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ إنكار لقوله كأنه قال: ما خوّلناك ما خولناك من النعمة لما تقول، بل هي فتنة، أى: ابتلاء وامتحان لك، أتشكر أم تكفر؟ فإن قلت: كيف ذكر الضمير ثم أنثه؟ قلت: حملا على المعنى أوّلا، وعلى اللفظ آخرا، ولأن الخبر لما كان مؤنثا أعنى فِتْنَةٌ ساغ تأنيث المبتدإ لأجله لأنه في معناه، كقولهم: ما جاءت حاجتك. وقرئ: بل هو فتنة على وفق إِنَّما أُوتِيتُهُ. فإن قلت: ما السبب في عطف هذه الآية بالفاء وعطف مثلها في أوّل السورة بالواو؟ قلت: السبب في ذلك أنّ هذه وقعت مسببة عن قوله وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ [[قال محمود: «فان قلت: لم عطفت هذه الآية على التي قبلها بالفاء، والآية التي قبلها في أول السورة بالواو؟ وأجاب بأن هذه الآية مسببة عن قوله وإذا ذكر الله ... الخ» قال أحمد: كلام جليل فافهمه، فضلا عن مشبه قليل.]] وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ على معنى أنهم يشمئزون عن ذكر الله ويستبشرون بذكر الآلهة، فإذا مس أحدهم ضر دعا من اشمأزّ من ذكره، دون من استبشر بذكره، وما بينهما من الاى اعتراض. فإن قلت: حق الاعتراض أن يؤكد المعترض بينه وبينه [[قوله «المعترض بينه وبينه» لعل قوله «وبينه» مزيد من بعض الناسخين. (ع)]] . قلت: ما في الاعتراض من دعاء رسول الله ﷺ ربه بأمر منه وقوله أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ ثم ما عقبه من الوعيد العظيم: تأكيد لإنكار اشمئزازهم واستبشارهم ورجوعهم إلى الله في الشدائد دون آلهتهم، كأنه قيل: قل يا رب لا يحكم بيني وبين هؤلاء الذين يجترءون عليك مثل هذه الجرأة، ويرتكبون مثل هذا المنكر إلا أنت. وقوله وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا متناول لهم ولكل ظالم إن جعل مطلقا. أو إياهم خاصة إن عنيتهم به، كأنه قيل: ولو أنّ لهؤلاء الظالمين ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به. حين أحكم عليهم بسوء العذاب، وهذه الأسرار والنكت لا يبرزها إلا علم النظم، وإلا بقيت محتجبة في أكمامها. وأما الآية الأولى فلم تقع مسببة وما هي إلا جملة ناسبت جملة قبلها فعطفت عليها بالواو، كقولك: قام زيد وقعد عمرو. فإن قلت: من أى وجه وقعت مسببة؟ والاشمئزاز عن ذكر الله ليس بمقتض لالتجائهم إليه، بل هو مقتض لصدوفهم [[قوله «لصدوفهم عنه» أى: إعراضهم. أفاده الصحاح. (ع)]] عنه. قلت: في هذا التسبيب لطف، وبيانه أنك تقول: زيد مؤمن بالله، فإذا مسه ضر التجأ إليه، فهذا تسبيب ظاهر لا لبس فيه، ثم تقول: زيد كافر بالله، فإذا مسه ضر التجأ إليه، فتجيء بالفاء مجيئك به ثمة، كأنّ الكافر حين التجأ إلى الله التجاء المؤمن إليه، مقيم كفره مقام الإيمان، ومجريه مجراه في جعله سببا في الالتجاء، فأنت تحكى ما عكس فيه الكافر. ألا ترى أنك تقصد بهذا الكلام الإنكار والتعجب من فعله؟
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب