الباحث القرآني
فَاسْتَفْتِهِمْ معطوف على مثله في أوّل السورة، وإن تباعدت بينهما المسافة: أمر رسوله باستفتاء قريش عن وجه إنكار البعث أوّلا، ثم ساق الكلام موصولا بعضه ببعض، ثم أمره باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى التي قسموها، حيث جعلوا لله الإناث ولأنفسهم الذكور في قولهم: الملائكة بنات الله، مع كراهتهم الشديدة لهنّ، ووأدهم، واستنكافهم من ذكرهنّ.
ولقد ارتكبوا في ذلك ثلاثة أنواع من الكفر، أحدها: التجسيم، لأن الولادة مختصة بالأجسام والثاني: تفضيل أنفسهم على ربهم حين جعلوا أوضع الجنسين له وأرفعهما لهم، كما قال وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ والثالث: أنهم استهانوا بأكرم خلق الله عليه وأقربهم إليه، حيث أنثوهم ولو قيل لأقلهم وأدناهم: فيك أنوثة. أو شكلك شكل النساء، للبس لقائله جلد النمر، ولانقلبت حماليقه [[قوله «ولانقلبت حماليقه» في الصحاح «حملاق العين» : باطن أجفانها الذي يسوده الكحل اه. (ع)]] وذلك في أهاجيهم بين مكشوف، فكرّر الله سبحانه الأنواع كلها في كتابه مرّات، ودل على فظاعتها في آيات: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ، وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ، أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ، وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً، وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ، أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ، وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ، أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ، أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ، وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً. أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ. فإن قلت. لم قال وهُمْ شاهِدُونَ فخصّ علم المشاهدة؟ قلت: ما هو إلا استهزاء بهم وتجهيل، وكذلك قوله أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ونحوه قوله ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وذلك أنهم كما لم يعلموا ذلك بطريق المشاهدة، لم يعلموه بخلق الله علمه في قلوبهم، ولا بإخبار صادق، ولا بطريق استدلال ونظر.
ويجوز أن يكون المعنى: أنهم يقولون ذلك، كالقائل قولا عن ثلج صدر وطمأنينة نفس لإفراط جهلهم، كأنهم قد شاهدوا خلقهم. وقرئ: ولد الله، أى الملائكة ولده. والولد «فعل» بمعنى مفعول، يقع على الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث. تقول: هذه ولدى، وهؤلاء ولدى. فإن قلت: أَصْطَفَى الْبَناتِ بفتح الهمزة: استفهام على طريق الإنكار والاستبعاد، فكيف صحت قراءة أبى جعفر بكسر الهمزة على الإثبات؟ قلت: جعله من كلام الكفرة بدلا عن قولهم وَلَدَ اللَّهُ وقد قرأ بها حمزة والأعمش رضى الله عنهما. وهذه القراءة- وإن كان هذا محملها- فهي ضعيفة، والذي أضعفها: أن الإنكار قد اكتنف هذه الجملة من جانبيها، وذلك قوله وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟ فمن جعلها للإثبات، فقد أوقعها دخيلة بين نسيبين. وقرئ تذكرون، من ذكر أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ أى حجة نزلت عليكم من السماء وخبر بأن الملائكة بنات الله فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ
الذي أنزل عليكم في ذلك، كقوله تعالى أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ وهذه الآيات صادرة عن سخط عظيم، وإنكار فظيع، واستبعاد لأقاويلهم شديد، وما الأساليب التي وردت عليها إلا ناطقة بتسفيه أحلام قريش، وتجهيل نفوسها، واستركاك عقولها، مع استهزاء وتهكم وتعجيب، من أن يخطر مخطر مثل ذلك على بال ويحدّث به نفسا، فضلا أن يجعله معتقدا ويتظاهر به مذهبا.
{"ayahs_start":149,"ayahs":["فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَلِرَبِّكَ ٱلۡبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلۡبَنُونَ","أَمۡ خَلَقۡنَا ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةَ إِنَـٰثࣰا وَهُمۡ شَـٰهِدُونَ","أَلَاۤ إِنَّهُم مِّنۡ إِفۡكِهِمۡ لَیَقُولُونَ","وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ","أَصۡطَفَى ٱلۡبَنَاتِ عَلَى ٱلۡبَنِینَ","مَا لَكُمۡ كَیۡفَ تَحۡكُمُونَ","أَفَلَا تَذَكَّرُونَ","أَمۡ لَكُمۡ سُلۡطَـٰنࣱ مُّبِینࣱ","فَأۡتُوا۟ بِكِتَـٰبِكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ"],"ayah":"مَا لَكُمۡ كَیۡفَ تَحۡكُمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق