الباحث القرآني

أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ في معنى الظرف تقديره وقت أن يؤذن لكم. وغَيْرَ ناظِرِينَ حال من لا تَدْخُلُوا وقع الاستثناء على الوقت والحال معا. كأنه قيل: لا تدخلوا بيوت النبي ﷺ إلا وقت الإذن، ولا تدخلوها إلا غير ناظرين، وهؤلاء قوم كانوا يتحينون طعام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه. ومعناه: لا تدخلوا يا هؤلاء المتحينون للطعام، إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إياه، وإلا فلو لم يكن لهؤلاء خصوصا، لما جاز لأحد أن يدخل بيوت النبي ﷺ إلا أن يؤذن له إذنا خاصا، وهو الإذن إلى الطعام فحسب. وعن ابن أبى عبلة أنه قرأ: غير ناظرين، مجرورا صفة لطعام، وليس بالوجه، لأنه جرى على غير ما هو له، فمن حق ضمير ما هو له أن يبرز إلى اللفظ، فيقال: غير ناظرين إناه أنتم، كقولك: هند زيد ضاربته هي. وإنى الطعام: إدراكه. يقال: أنى الطعام إنى، كقولك: قلاه قلى. ومنه قوله بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ بالغ إناه. وقيل إِناهُ: وقته، أى: غير ناظرين وقت الطعام وساعة أكله. وروى أن رسول الله ﷺ أو لم على زينب بتمر وسويق وشاة، وأمر أنسا أن يدعو بالناس، فترادفوا أفواجا يأكل فوج فيخرج، ثم يدخل فوج إلى أن قال: يا رسول الله، دعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه، فقال: ارفعوا طعامكم وتفرق الناس، وبقي ثلاثة نفر يتحدثون فأطالوا: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا، فانطلق إلى حجرة عائشة رضى الله عنها فقال: السلام عليكم أهل البيت فقالوا: عليك السلام يا رسول الله، كيف وجدت أهلك؟ وطاف بالحجرات فسلم عليهن ودعون له، ورجع فإذا الثلاثة جلوس يتحدثون، وكان رسول الله ﷺ شديد الحياء، فتولى، فلما رأوه متوليا خرجوا، فرجع [[متفق عليه من حديث أنس وله طرق عندهما وألفاظ.]] ونزلت: وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ نهوا عن أن يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم ببعض لأجل حديث يحدثه به. أو عن أن يستأنسوا حديث أهل البيت. واستئناسه: تسمعه وتوجسه، وهو مجرور معطوف على ناظرين. وقيل: هو منصوب على: ولا تدخلوها مستأنسين. لا بد في قوله فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ من تقدير المضاف، أى: من إخراجكم، بدليل قوله وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ يعنى أن إخراجكم حتى ما ينبغي أن يستحيا منه. ولما كان الحياء مما يمنع الحيي من بعض الأفعال، قيل لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ بمعنى لا يمتنع منه ولا يتركه ترك الحيي منكم، وهذا أدب أدّب الله به الثقلاء. وعن عائشة رضى الله عنها: حسبك في الثقلاء أنّ الله تعالى لم يحتملهم وقال: فإذا طعمتم فانتشروا [[أخرجه الثعلبي من طريق العلاء سمعت عائشة بهذا. قلت: كذا بخط المخرج. وهو غلط واضح جدا. فان العلاء إنما يروى عن ابن عائشة صاحب النوادر ولم يدرك أصحاب أصحابه عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها فضلا عنها ولعله كان في الأصل ابن عائشة فسقط ابن]] . وقرئ: لا يستحى، بياء واحدة. الضمير في سَأَلْتُمُوهُنَّ لنساء النبي ﷺ، ولم يذكرن لأنّ الحال ناطقة بذكرهن مَتاعاً حاجة فَسْئَلُوهُنَّ المتاع. قيل: إن عمر رضى الله عنه كان يحب ضرب الحجاب عليهن محبة شديدة، وكان يذكره كثيرا، ويود أن ينزل فيه، وكان يقول: لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، وقال: يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، [[متفق عليه من حديثين هذا أحدهما. أخرجه النسائي والبخاري في الأدب المفرد والطبراني في الصغير من طريق مجاهد عن عائشة قالت «كنت آكل مع النبي ﷺ حيسا في قصعة فمر عمر فدعاه فأكل فأصابت أصبعه أصبعى، فقال عمر: أواه لو أطاع فيكن ما رأتكن عين فنزل الحجاب» ورواه ابن أبى شيبة والطبري من طريق مجاهد مرسلا وصوبه الدارقطني في العلل والثاني أخرجه النسائي أيضا من طريق أنس عن عمر رضى الله عنه قال «قلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو حجبت أمهات المؤمنين فأنزل الله آية الحجاب وأصله في الصحيح.]] فنزلت. وروى أنه مر عليهن وهن مع النساء في المسجد [[أخرجه الثعلبي من رواية مجاهد عن الشعبي قال «مر عمر على نساء النبي ﷺ» فذكره]] فقال: لئن احتجبتن، فإن لكن على النساء فضلا، كما أن لزوجكن على الرجال الفضل، فقالت زينب رضى الله عنها: يا ابن الخطاب، إنك لتغار علينا والوحى ينزل في بيوتنا، فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى نزلت. وقيل: إنّ رسول الله ﷺ كان يطعم ومعه بعض أصحابه، فأصابت يد رجل منهم يد عائشة، فكره النبي ﷺ ذلك، [[وهو في حديث النسائي الذي قدمناه أولا.]] فنزلت آية الحجاب. وذكر أنّ بعضهم قال: أننهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب، لئن مات محمد لأتزوجن عائشة. فأعلم الله أن ذلك محرم [[أخرجه ابن سعد عن الواقدي عن عبد الله بن جعفر عن ابن أبى عون عن ابن بكر بن حزام في هذه الآية نزلت في طلحة قال: إذا توفى رسول الله ﷺ تزوجت عائشة» وقال عبد الرزق أخبرنا معمر عن قتادة أن رجلا قال «لو قد مات محمد لأتزوجن عائشة رضى الله عنها» فأنزل الله تعالى وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ الآية» وروى ابن أبى حاتم وابن مردويه من رواية داود عن عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال «نزلت في رجل هم أن يتزوج بعض نساء النبي ﷺ- الحديث» من طريق السدى أن الذي عزم على ذلك عائشة رضى الله عنها.]] وَما كانَ لَكُمْ وما صح لكم إيذاء رسول الله ﷺ ولا نكاح أزواجه من بعده. وسمى نكاحهن بعده عظيما عنده، وهو من أعلام تعظيم الله لرسوله وإيجاب حرمته حيا وميتا، وإعلامه بذلك مما طيب به نفسه وسر قلبه واستغزر شكره. فإن نحو هذا مما يحدث الرجل به نفسه ولا يخلى منه فكره. ومن الناس من تفرط غيرته على حرمته حتى يتمنى لها الموت لئلا تنكح من بعده. وعن بعض الفتيان أنه كانت له جارية لا يرى الدنيا بها شغفا واستهتارا، [[قوله «لا يرى الدنيا بها شغفا واستهتارا» في الصحاح: فلان مستهتر بالشراب، أى: مولع به، لا يبالى ما قيل فيه. (ع)]] فنظر إليها ذات يوم فتنفس الصعداء وانتحب فعلا نحيبه مما ذهب به فكره هذا المذهب، فلم يزل به ذلك حتى قتلها، تصورا لما عسى يتفق من بقائها بعده وحصولها تحت يد غيره. وعن بعض الفقهاء أن الزوج الثاني في هدم الثلاث مما يجرى مجرى العقوبة، فصين رسول الله ﷺ عما يلاحظ ذلك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب