الباحث القرآني

وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ فيما يجب عندكم وينقاس على أصولكم ويقتضيه معقولكم، لأنّ من أعاد منكم صنعة شيء كانت أسهل عليه وأهون من إنشائها، وتعتذرون للصانع إذا خطئ في بعض ما ينشئه بقولكم: أوّل الغزو أخرق، وتسمون الماهر في صناعته معاودا، تعنون أنه عاودها كرّة بعد أخرى، حتى مرن عليها وهانت عليه. فإن قلت: لم ذكر الضمير في قوله وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ والمراد به الإعادة؟ قلت: معناه: وأن يعيده أهون عليه. فإن قلت: لم أخرت الصلة في قوله وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وقدّمت في قوله هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ [[قال محمود: «إن قلت: لم أخرت الصلة هاهنا وقد قدمت في قوله تعالى هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ؟ قلت: لأن المقصود مما نحن فيه خلاف المقصد هناك، فانه اختصاص الله تعالى بالقدرة على إيلاد الهم والعاقر، وأما المقصد هنا فلا معنى للاختصاص فيه، كيف والأمر مبنى على ما يعتقدونه في الشاهد من أن الاعادة أسهل من الابتداء، فالاختصاص بغير المعنى» قال أحمد: كلام نفيس يستحق أن يكتب بذوب التبر لا بالحبر، وإنما يلقى الاختصاص من تقديم ما حقه أن يؤخر، وقد علمت مذهبه في مثل ذلك.]] ؟ قلت: هناك قصد الاختصاص وهو محزه، فقيل: هو علىّ هين، وإن كان مستصعبا عندكم أن يولد بين هم [[قوله «أن يولد بين همّ وعاقر» في الصحاح «الهم» بالكسر. الشيخ الفاني. (ع)]] وعاقر، وأما هاهنا فلا معنى للاختصاص، كيف والأمر مبنى على ما يعقلون من أنّ الإعادة أسهل من الابتداء، فلو قدمت الصلة لتغير المعنى. فإن قلت: ما بال الإعادة استعظمت في قوله ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ حتى كأنها فضلت على قيام السماوات والأرض بأمره [[قال محمود: «إن قلت: ما بال الاعادة استعظمت في قوله ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ حتى كأنها فضلت على قيام السماوات والأرض؟ قلت: الاعادة في نفسها عظيمة، ولكنها هونت بالنسبة إلى الإنشاء» قال أحمد: إنما يلقى في السؤال تعظيم الاعادة من عطفها بثم، إيذانا بتغاير مرتبتها وعلو شأنها. وقوله في الجواب: إنها هونت بالنسبة إلى الإنشاء لا يخلص، فان الاعادة ذكرت هاهنا عقيب قيام السماوات والأرض بأمره. وقيامهما ابتداء وإنشاء أعظم من الاعادة، فيلزم تعظيم الاعادة بالنسبة إلى ما عطف عليه عن الإنشاء ويعود الاشكال، والمخلص- والله أعلم- جعل ثم على بابها لتراخى الزمان لا لتراخي المراتب، فعلى أن تكون مرتبة المعطوف عليه العليا، ومرتبة المعطوف هي الدنيا. وذلك نادر في مجيئها لتراخى المراتب، فان المعطوف حينئذ في أكثر المواضع أرفع درجة من المعطوف عليه، والله أعلم.]] ، ثم هوّنت بعد ذلك؟ قلت: الإعادة في نفسها عظيمة، ولكنها هوّنت بالقياس إلى الإنشاء. وقيل الضمير في عليه للخلق. ومعناه: أنّ البعث أهون على الخلق من الإنشاء، لأن تكوينه في حدّ الاستحكام، والتمام أهون عليه وأقل تعبا وكبدا، من أن يتنقل في أحوال ويندرج فيها إلى أن يبلغ ذلك الحدّ. وقيل: الأهون بمعنى الهين. ووجه آخر: وهو أن الإنشاء من قبيل التفضل الذي يتخير فيه الفاعل بين أن يفعله وأن لا يفعله، والإعادة من قبيل الواجب الذي لا بدّ له من فعله، لأنها لجزاء الأعمال وجزاؤها واجب [[قوله «وجزاؤها واجب ... الخ» هذا عند المعتزلة، ولا يجب على الله شيء عند أهل السنة كما تقدم في محله. (ع)]] ، والأفعال: إما محال والمحال ممتنع أصلا [[عاد كلامه: قال في تقرير معنى قوله وهو أهون عليه: الأفعال إما ممتنع عقلا لذاته، وإما ممتنع لصارف يصرف الحكيم عن فعله. وإما تفضل يتخير الحكيم فيه بين أن يفعل وأن لا. وإما واجب على الحكيم أن يفعله فالانشاء الأول من قبيل التفضل، وأما الاعادة فواجبة على الله تعالى لأجل الجزاء، فلما كانت واجبة كانت أبعد الأفعال عن الممتنع، فلذلك وصفت بالتسهيل وكانت أهون من الإنشاء» قال أحمد: لقد ضل وصد عن السبيل، فلا نوافقه ولا ترافقه، والحق: أن لا واجب على الله تعالى، وكل ما ذكره في هذا الفصل نزغات قدرية، على أنها أيضا غير مستقيمة على أصولهم المجتثة، فان مقتضاها وجوب الإنشاء في الحكمة، إذ لولا مصلحة اقتضت الإنشاء لما وقع، وتلك المصلحة توجب متعلقها، فقد وضح أن المصنف لا إلى معالى السنة رقى، ولا في حضيض الاعتزال بقي، فلله العصمة.]] خارج عن المقدور، وأما ما يصرف الحكيم عن فعله صارف وهو القبيح، وهو رديف المحال، لأنّ الصارف يمنع وجود الفعل كما تمنعه الإحالة. وإما تفضل والتفضل حالة بين بين، للفاعل أن يفعله وأن لا يفعله. وإما واجب لا بدّ من فعله، ولا سبيل إلى الإخلال به، فكان الواجب أبعد الأفعال من الامتناع وأقربها من الحصول. فلما كانت الإعادة من قبيل الواجب، كانت أبعد الأفعال من الامتناع. وإذا كانت أبعدها من الامتناع، كانت أدخلها في التأنى والتسهل، فكانت أهون منها [[قوله فكانت أهون منها» أى من بقية الأفعال. (ع)]] . وإذا كانت أهون منها كانت أهون من الإنشاء وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى أى الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله قد عرف به. ووصف في السماوات والأرض على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل، وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاء وإعادة وغيرهما من المقدورات، ويدل عليه قوله تعالى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أى القاهر لكل مقدور، الحكيم الذي يجرى كل فعل على قضايا حكمته وعلمه. وعن مجاهد: المثل الأعلى: قول لا إله إلا الله، ومعناه: وله الوصف الأعلى الذي هو الوصف بالوحدانية. ويعضده قوله تعالى ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ وقال الزجاج: وله المثل الأعلى في السماوات والأرض، أى: قوله تعالى وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ قد ضربه لكم مثلا فيما يصعب ويسهل. يريد: التفسير الأوّل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب