الباحث القرآني

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ من للتبعيض [[قال محمود «من للتبعيض ... الخ» قال أحمد: وفي هذا التبعيض وتنكير أمة تنبيه على قلة العاملين بذلك، وأنه لا يخاطب به إلا الخواص. ومن هذا الأسلوب قوله تعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) فإنما وجه الخطاب على نفس منكرة تنبيها على قلة الناظر في معاده، وكذلك قوله: (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) حتى ورد في التفسير أن المراد أذن واحدة مخصوصة وهي أذن على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه.]] ، لأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من فروض الكفايات، ولأنه لا يصلح له إلا من علم المعروف والمنكر، وعلم كيف يرتب الأمر في إقامته وكيف يباشر، فإن الجاهل ربما نهى عن معروف وأمر بمنكر، وربما عرف الحكم في مذهبه وجهله في مذهب صاحبه فنهاه عن غير منكر، وقد يغلظ في موضع اللين، ويلين في موضع الغلظة، وينكر على من لا يزيده إنكاره إلا تماديا، أو على مَن الإنكار عليه عبث، كالإنكار على أصحاب المآصر [[قوله «المآصر» جمع مأصر، وهو المحبس أى السجن، أفاده الصحاح. (ع)]] والجلادين وأضرابهم. وقيل «من» للتبيين، بمعنى: وكونوا أمّة تأمرون، كقوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ) . وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ هم الأخصاء بالفلاح دون غيرهم. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه سئل وهو على المنبر: من خير الناس؟ قال: آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر، وأتقاهم للَّه وأوصلهم [[أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبري والبيهقي في الشعب من رواية شريك عن سماك عن عبد اللَّه بن عميرة عن زوج درة بنت أبى لهب قالت «كنت عند عائشة، فجيء برجل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان ناداه وهو على المنبر فقال: يا رسول اللَّه، أى الناس خير؟ فذكره» .]] » . وعنه عليه السلام: «من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة اللَّه في أرضه، وخليفة رسوله، وخليفة كتابه [[أخرجه ابن عدى في الكامل في ترجمة كادح بن رحمة من روايته عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن مسلم بن جابر عن عبادة بن الصامت. وكادح ساقط. وله شاهد مرسل أخرجه على بن معبد في كتاب الطاعة عن بقية عن حسان بن سليمان عن أبى نضرة عن الحسن البصري. ومن هذا الوجه أخرجه الثعلبي.]] » وعن على رضى اللَّه عنه: أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. ومن شنئ الفاسقين وغضب للَّه، غضب اللَّه له [[أخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمة على مطولا، من رواية خلاس بن عمرو قال: كنا جلوسا عند على ابن أبى طالب رضى اللَّه عنه إذ أتاه رجل من خزاعة فقال: يا أمير المؤمنين هل سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينعت الإسلام؟ قال: سمعته يقول: بنى الإسلام على أربعة أركان: الصبر واليقين والجهاد والعدل- فذكره- إلى أن قال: والجهاد أربع شعب: الأمر بالمعروف: والنهى عن المنكر. والصدق في مواطن الصبر. وشنآن الفاسقين. فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن. ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الكافر. ومن صدق في مواطن الصبر أحرز دينه. وقضى ما عليه. ومن شنئ الفاسقين فقد غضب للَّه. ومن غضب للَّه غضب اللَّه له» وهو من طريق إسحاق ابن بشر عن مقاتل. وهما ساقطان. قال: ورواية العلاء بن عبد الرحمن عن قبيصة بن جابر عن على رضى اللَّه عنه.]] . وعن حذيفة: يأتى على الناس زمان تكون فيهم جيفة الحمار أحب إليهم من مؤمن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. وعن سفيان الثوري. إذا كان الرجل محببا في جيرانه محموداً عند إخوانه فاعلم أنه مداهن. والأمر بالمعروف تابع للمأمور به، إن كان واجبا فواجب، وإن كان ندبا فندب. وأما النهى عن المنكر فواجب كله، لأنّ جميع المنكر تركه واجب لاتصافه بالقبح. فإن قلت: ما طريق الوجوب؟ قلت: قد اختلف فيه الشيخان، فعند أبى على: السمع والعقل، وعند أبى هاشم: السمع وحده. فإن قلت: ما شرائط النهى؟ قلت: أن يعلم الناهي أن ما ينكره قبيح، لأنه إذا لم يعلم لم يأمن أن ينكر الحسن، وأن لا يكون ما ينهى عنه واقعا، لأن الواقع لا يحسن النهى عنه، وإنما يحسن الذم عليه والنهى عن أمثاله، وأن لا يغلب على ظنه أن المنهي يزيد في منكراته، وأن لا يغلب على ظنه أن نهيه لا يؤثر لأنه عبث. فإن قلت: فما شروط الوجوب؟ قلت: أن يغلب على ظنه وقوع المعصية نحو أن يرى الشارب قد تهيأ لشرب الخمر بإعداد آلاته، وأن لا يغلب على ظنه أنه إن أنكر لحقته مضرة عظيمة. فإن قلت: كيف يباشر الإنكار؟ قلت: يبتدئ بالسهل، فإن لم ينفع ترقى إلى الصعب، لأنّ الغرض كف المنكر. قال اللَّه تعالى: فأصلحوا بينهما، ثم قال: فقاتلوا، فإن قلت: فمن يباشره؟ قلت: كل مسلم تمكن منه واختص بشرائطه، وقد أجمعوا أن من رأى غيره تاركا للصلاة وجب عليه الإنكار، لأنه معلوم قبحه لكل أحد. وأما الإنكار الذي بالقتال، فالإمام وخلفاؤه أولى لأنهم أعلم بالسياسة ومعهم عدتها. فإن قلت: فمن يُؤمر ويُنهى؟ قلت: كل مكلف، وغير المكلف إذا همَّ بضرر غيره مُنع، كالصبيان والمجانين، وينهى الصبيان عن المحرمات حتى لا يتعوّدوها، كما يؤخذون بالصلاة ليمرنوا عليها. فإن قلت: هل يجب على مرتكب المنكر أن ينهى عما يرتكبه قلت: نعم يجب عليه، لأن ترك ارتكابه وإنكاره واجبان عليه فبتركه أحد الواجبين لا يسقط عنه الواجب الآخر. وعن السلف: مروا بالخير وإن لم تفعلوا. وعن الحسن أنه سمع مطرف بن عبد اللَّه يقول: لا أقول ما لا أفعل، فقال: وأينا يفعل ما يقول؟ ودّ الشيطان لو ظفر بهذه منكم فلا يأمر أحد بمعروف ولا ينهى عن منكر. فإن قلت. كيف قيل (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) ؟ قلت: الدعاء إلى الخير [[(عاد كلامه) قال: «وقوله يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر صدر الكلام بالدعاء ... الخ» قال أحمد: عطف الخاص على العام يؤذن بمزيد اعتناء بالخاص لا محالة إذا اقتصر على بعض متناولات العام، كقوله: (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) وكقوله: (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) وكقوله: (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) وشبه ذلك، لأن الاقتصار على تخصيص ما يفرد بالذكر يفيده تمييزاً عن غيره من بقية المتناولات. وأما هذه الآية، فقد ذكر بعد العام فيها جميع ما يتناوله، إذ الخير المدعو إليه إما فعل مأمور أو ترك منهى، لا يعدو واحدا من هذين، حتى يكون تخصيصها يميزها عن بقية المتناولات، فالأولى في ذلك أن يقال: فائدة هذا التخصيص ذكر الدعاء إلى الخير عاما، ثم مفصلا. وفي تنبيه أن الذكر على وجهين ما لا يخفى من العناية واللَّه أعلم، إلا أن يثبت عرف يخص الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ببعض أنواع الخير، فإذ ذاك يتم مراد الزمخشري، وما أرى هذا العرف ثابتا، واللَّه أعلم.]] عامّ في التكاليف من الأفعال والتروك والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر خاص، فجيء بالعام ثم عطف عليه الخاص إيذانا بفضله، كقوله: (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب