الباحث القرآني

جامِدَةً من جمد في مكانه إذا لم يبرح. تجمع الجبال فتسير كما تسير الريح السحاب، فإذا نظر إليها الناظر حسبها واقفه ثابتة في مكان واحد وَهِيَ تَمُرُّ مرّا حثيثا كما يمر السحاب. وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد: إذا تحرّكت لا تكاد تتبين حركتها، كما قال النابغة في صفة جيش: بأرعن مثل الطّود تحسب أنّهم ... وقوف لحاج والرّكاب تهملج [[للنابغة. والأرعن: الجبل العالي. والطود: الجبل العظيم، فاستعار الأرعن للجيش، ثم شبهه بالطود ليفيد المبالغة في الكثرة. والحاج: اسم جمع واحده حاجة. والركاب: المطي لا واحد له من لفظه. والهملجة: السير الرهو السهل، فارسى معرب. والهملاج: السريع. يقول: حاربنا العدو يجيش عظيم، تظنهم واقفين لحاجة لكثرتهم، والحال أن ركابهم تسرع السير.]] صُنْعَ اللَّهِ من المصادر المؤكدة، كقوله وَعَدَ اللَّهُ. وصِبْغَةَ اللَّهِ إلا أن مؤكدة محذوف، وهو الناصب ليوم ينفخ، والمعنى: ويوم ينفخ في الصور وكان كيت وكيت أثاب الله المحسنين وعاقب المجرمين، ثم قال: صنع الله، يريد به: الإثابة والمعاقبة. وجعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب، حيث قال: صنع الله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ يعنى أنّ مقابلته الحسنة بالثواب والسيئة بالعقاب: من جملة إحكامه للأشياء وإتقانه لها، وإجرائه لها على قضايا الحكمة أنه عالم بما يفعل العباد وبما يستوجبون عليه، فيكافئهم على حسب ذلك. ثم لخص ذلك بقوله مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ إلى آخر الآيتين، فانظر إلى بلاغة هذا الكلام، وحسن نظمه وترتيبه، ومكانة إضماده، ورصانة تفسيره، [[قوله «ومكانة إضماده ورصانة تفسيره» الذي في الصحاح «ضمد الجرح، يضمده ضمدا» : شده بعصابة وفيه «الرصين» المحكم الثابت. وقد رصن- بالضم- رصانة. (ع)]] وأخذ بعضه بحجزة بعض، كأنما أفرغ إفراغا واحدا ولأمر مّا أعجز القوى وأخرس الشقاشق [[قوله «وأخرس الشقاشق» في الصحاح «شقشق الفحل شقشقة» : هدر. وإذا قالوا للخطيب: ذو شقشقة، فإنما يشبه بالفحل. (ع)]] . ونحو هذا المصدر إذا جاء عقيب كلام، جاء كالشاهد بصحته والمنادى على سداده، وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا كما قد كان. ألا ترى إلى قوله: صُنْعَ اللَّهِ، وصِبْغَةَ اللَّهِ، ووَعَدَ اللَّهُ، وفِطْرَتَ اللَّهِ: بعد ما وسمها بإضافتها إليه بسمة التعظيم، كيف تلاها بقوله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً، لا يخلف الله الميعاد لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ وقرئ: تفعلون، على الخطاب. فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها يريد الإضعاف وأنّ العمل يتقضى والثواب يدوم، وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد. وقيل: فله خير منها، أى: له خير حاصل من جهتها وهو الجنة. وعن ابن عباس، الحسنة كلمة الشهادة. وقرئ: يَوْمَئِذٍ مفتوحا مع الإضافة، لأنه أضيف إلى غير متمكن. ومنصوبا مع تنوين فزع. فإن قلت: ما الفرق بين الفزعين؟ قلت: الفزع الأوّل: هو ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدّة تقع وهول يفجأ، من رعب وهيبة، وإن كان المحسن يأمن لحاق الضرر به، كما يدخل الرجل على الملك بصدر هياب وقلب وجاب [[قوله «وقلب وجاب» في الصحاح «وجب القلب وجيبا» : اضطرب. (ع)]] وإن كانت ساعة إعزاز وتكرمة وإحسان وتولية. وأمّا الثاني: فالخوف من العذاب. فإن قلت: فمن قرأ مِنْ فَزَعٍ بالتنوين ما معناه؟ قلت: يحتمل معنيين. من فزع واحد وهو خوف العقاب، وأمّا ما يلحق الإنسان من التهيب والرعب لما يرى من الأهوال والعظائم، فلا يخلون منه، لأنّ البشرية تقتضي ذلك. وفي الأخبار والآثار ما يدل عليه. ومن فزع شديد مفرط الشدّة لا يكتنهه الوصف: وهو خوف النار. أمن: يعدى بالجار وبنفسه، كقوله تعالى أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ. وقيل: السيئة: الإشراك. يعبر عن الجملة بالوجه والرأس والرقبة، فكأنه قيل: فكبوا في النار، كقوله تعالى فَكُبْكِبُوا فِيها ويجوز أن يكون ذكر الوجوه إيذانا بأنهم يكبون على وجوههم فيها منكوسين هَلْ تُجْزَوْنَ يجوز فيه الالتفات وحكاية ما يقال لهم عند الكب بإضمار القول.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب