الباحث القرآني

فإن قلت: لم رفع اسم الله، والله يتعالى أن يكون ممن في السماوات والأرض؟ قلت: جاء على لغة بنى تميم، حيث يقولون: ما في الدار أحد إلا حمار، يريدون: ما فيها إلا حمار، كأنّ أحدا لم يذكر. ومنه قوله: عشيّة ما تغنى الرّماح مكانها ... ولا النّبل إلّا المشرفي المصمّم [[النبل: السهام العربية. والمشرفي: السيف، نسبة لمشارف اليمن. والمصمم: الماضي النافذ لصلابته، وكانت عادة المتحاربين التناضل بالسهام عند التباعد، فإذا تقاربوا تحاربوا بالرماح، فإذا التقوا تضاربوا بالسيوف. وذكر النبل بعد الرماح لدفع توهم بعد العدو، فكأن النبل يغنى عن غيره، فالبيت كناية عن شدة الأمر واختلاط الصفين. وضمير مكانها للحرب أو للسيوف، والاستثناء منقطع بعد النفي، ويجب نصبه عند الحجازيين. ويجوز رفعه كما هنا عند التميميين: إما على البدل، أو على توهم أن المستثنى منه غير مذكور، وأن العامل مفرغ لما بعد «إلا» .]] وقولهم: ما أتانى زيد إلا عمرو، وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه. فإن قلت: ما الداعي إلى اختيار المذهب التميمي على الحجازي؟ قلت: دعت إليه نكتة سرية [[قوله «دعت إليه نكتة سرية» لعله بزنة فعيلة، فيكون بمعنى شريفة. (ع)]] . حيث أخرج المستثنى مخرج قوله: إلا اليعافير، بعد قوله: ليس بها أنيس، ليؤول المعنى إلى قولك: إن كان الله ممن في السماوات والأرض، فهم يعلمون الغيب، يعنى: أنّ علمهم الغيب في استحالته كاستحالة أن يكون الله منهم، كما أنّ معنى ما في البيت [[قوله: «معنى ما في البيت» هو قول الشاعر: وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس (ع)]] : إن كانت اليعافير أنيسا ففيها أنيس، بتا للقول بخلوّها عن الأنيس. فإن قلت: هلا زعمت أنّ الله ممن في السماوات والأرض، كما يقول المتكلمون: الله في كل مكان، على معنى أنّ علمه في الأماكن كلها، فكأن ذاته فيها حتى لا تحمله على مذهب بنى تميم؟ قلت: يأبى ذلك أن كونه في السماوات والأرض مجاز، وكونهم فيهن حقيقة، وإرادة المتكلم بعبارة واحدة حقيقة ومجازا غير صحيحة، على أنّ قولك: من في السماوات والأرض، وجمعك بينه وبينهم في إطلاق اسم واحد: فيه إيهام تسوية، والإيهامات مزالة عنه وعن صفاته تعالى. ألا ترى كيف قال ﷺ لمن قال: ومن يعصهما فقد غوى: «بئس خطيب القوم أنت [[أخرجه مسلم من حديث عدى بن حاتم.]] » وعن عائشة رضى الله عنها: من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية [[متفق عليه من حديثها في أثناء حديث.]] ، والله تعالى يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وعن بعضهم: أخفى غيبه عن الخلق ولم يطلع عليه أحدا، لئلا يأمن أحد من عبيده مكره. وقيل: نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله ﷺ عن وقت الساعة أَيَّانَ بمعنى متى، ولو سمى به: لكان فعالا، من آن يئين ولا نصرف. وقرئ: إيان، بكسر الهمزة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب