الباحث القرآني

يحشرهم. فيقول. كلاهما بالنون والياء، وقرئ: يحشرهم، بكسر الشين وَما يَعْبُدُونَ يريد: المعبودين من الملائكة والمسيح وعزير. وعن الكلبي: الأصنام ينطقها الله. ويجوز أن يكون عاما لهم جميعا. فإن قلت: كيف صحّ استعمال ما في العقلاء؟ قلت: هو موضوع على العموم للعقلاء وغيرهم، بدليل قولك- إذا رأيت شبحا من بعيد-: ما هو؟ فإذا قيل لك: إنسان، قلت حينئذ: من هو؟ ويدلك قولهم «من» لما يعقل. أو أريد به الوصف، كأنه قيل: ومعبوديهم. ألا تراك تقول إذا أردت السؤال عن صفة زيد: ما زيد؟ تعنى: أطويل أم قصير؟ أفقيه أم طبيب؟ فإن قلت: ما فائدة أنتم وهم؟ وهلا قيل أضللتم عبادي هؤلاء، أم هم [[قوله «أم هم ضلوا» لعله أم ضلوا، كعبارة النسفي. (ع)]] ضلوا السبيل؟ قلت. ليس السؤال عن الفعل ووجوده، لأنه لولا وجوده لما توجه هذا العتاب، وإنما هو عن متوليه، فلا بد من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام، حتى يعلم أنه المسئول عنه. فإن قلت: فالله سبحانه قد سبق علمه بالمسؤول عنه، فما فائدة هذا السؤال؟ قلت: فائدته أن يجيبوا بما أجابوا به، حتى يبكت عبدتهم بتكذيبهم إياهم، فيبهتوا [[قوله «فيبهتوا» يدهشوا. أو يتحيروا. أفاده الصحاح (ع)]] وينخذلوا وتزيد حسرتهم، ويكون ذلك نوعا مما يلحقهم من غضب الله وعذابه، ويغتبط المؤمنون ويفرحوا بحالهم ونجاتهم من فضيحة أولئك، وليكون حكاية ذلك في القرآن لطفا للمكلفين. وفيه كسر بين لقول من يزعم [[قوله «لقول من يزعم أن الله ... الخ» يريد أهل السنة القائلين: إضلال الله لعباده خلق الضلال في قلوبهم، خلافا للمعتزلة القائلين: أنه تعالى لا يخلق الشر ولا يريده. (ع)]] أن الله يضل عباده على الحقيقة [[قال محمود: «في هذه الآية كسر بين لمن يزعم أن الله تعالى يضل عباده حقيقة، حيث يقول للمعبودين من دونه: أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء، أم هم ضلوا بأنفسهم؟ فيتبرءون منهم ويستعيذون مما نسب إليهم، ويقولون: بل تفضلك على هؤلاء أوجب أن جعلوا عرض الشكر كفرا، فإذا برأت الملائكة والرسل أنفسهم من ذلك. فهم لله أشد تبرئة وتنزيها منه، ولقد نزهوه حيث أضافوا التفضل بالنعمة إلى الله تعالى، وأسندوا الضلال الذي نشأ عنه إلى الضالين، فهو شرح للاسناد المجازى في قوله يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ولو كان مضلا حقيقة لكان الجواب العتيد أن يقولوا: بل أنت أضللتهم» قال أحمد: قد تقدم شرح عقيدة أهل الحق في هذا المعنى، وأن الباعث لهم على اعتقاد كون الضلال من خلق الله تعالى: التزامهم للتوحيد المحض والايمان الصرف، الذي دل على صحته بعد الأدلة العقلية قوله تعالى اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ والضلال شيء، فوجب كونه خالقه: هذا من حيث العموم. وأما من حيث الخصوص، فأمثال قوله تعالى يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ، والأصل الحقيقة، وقول موسى عليه السلام إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ فلو كان الإضلال مستحيلا على الله تعالى لما جاز أن يخاطبه الكليم بما لا يجوز، فإذا أوضح ذلك فالملائكة لم يسئلوا في هذه الاية عن المضل لعبادهم حقيقة، فيقال لهم: من أضل هؤلاء، وإنما قيل لهم: أأنتم أضللتموهم، أم هم ضلوا؟ فليس الجواب المطابق العتيد أن يقولوا: أنت أضللتهم. ولو كان معتقدهم أن الله تعالى هو المضل حقيقة، لكان قولهم في جواب هذا السؤال: بل أنت أضللتهم مجاوزة لمحل السؤال ومحله، وإنما كان هذا الجواب مطابقا لو قيل لهم: من أضل عبادي هؤلاء؟ فقد وضح أن هذا السؤال لإيجاب عنه بما تخيله الزمخشري، بتقدير أن يكون معتقدهم أن الله تعالى هو الذي أضلهم، وأن عدو لهم عنه ليس لأنهم لا يعتقدونه، ولكن لأنه لا يطابق، وبقي وراء ذلك نظر في أن جوابهم هذا يدل على معتقدهم الموافق لأهل الحق، لأن أهل الحق يعتقدون أن الله تعالى وإن خلق لهم الضلالة إلا أن لهم اختيارا فيها وتميزا لها، ولم يكونوا عليها مقسورين كما هم مقسورون على أفعال كثيرة يخلقها الله فيهم كالحركات الرعشية ونحوها. وقد قدمنا في مواضع: أن كل فعل اختيارى له نسبتان: إن نظر إلى كونه مخلوقا فهو منسوب إلى الله تعالى، وإن نظر إلى كونه اختياريا للعبد فهو منسوب إلى العبد. وبذلك قطعت الملائكة في قولهم: بل متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر، فنسبوا نسيان الذكر إليهم، أى: الانهماك في الشهوات الذي نشأ عنه النسيان، لأنهم اختاروه لأنفسهم، فصدقت نسبته إليهم، ونسبوا السبب الذي اقتضى نسيانهم وانهما كهم في الشهوات إلى الله تعالى: وهو استدراجهم ببسط النعم عليهم، فيها ضلوا، فلا تنافى بين معتقد أهل الحق وبين مضمون قول الملائكة حينئذ. بل هما متواطئان على أمر واحد، والله أعلم.]] ، حيث يقول للمعبودين من دونه: أأنتم أضللتموهم، أم هم ضلوا بأنفسهم؟ فيتبرءون من إضلالهم ويستعيذون به أن يكونوا مضلين، ويقولون: بل أنت تفضلت من غير سابقة على هؤلاء وآبائهم تفضل جواد كريم، فجعلوا النعمة التي حقها أن تكون سبب الشكر، سبب الكفر ونسيان الذكر، وكان ذلك سبب هلاكهم، فإذا برأت الملائكة والرسل أنفسهم من نسبة الإضلال الذي هو عمل الشياطين إليهم واستعاذوا منه، فهم لربهم الغنىّ العدل أشدّ تبرئة وتنزيها منه، ولقد نزهوه حين أضافوا إليه التفضل بالنعمة والتمتيع بها، وأسندوا نسيان الذكر والتسبب به للبوار إلى الكفرة. فشرحوا الإضلال المجازى الذي أسنده الله تعالى إلى ذاته في قوله يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ولو كان هو المضل على الحقيقة لكان الجواب العتيد أن يقولوا: بل أنت أضللتهم. والمعنى: أأنتم أوقعتموهم في الضلال عن طريق الحق؟ أم هم ضلوا عنه بأنفسهم؟ وضل: مطاوع «أضله» وكان القياس: ضل عن السبيل، إلا أنهم تركوا الجار كما تركوه في هداه الطريق. والأصل: إلى الطريق، وللطريق. وقولهم: أضلّ البعير، في معنى: جعله ضالا، أى: ضائعا، لما كان أكثر ذلك بتفريط من صاحبه وقلة احتياط في حفظه، قيل: أضله، سواء كان منه فعل أو لم يكن سُبْحانَكَ تعجب منهم، قد تعجبوا مما قيل لهم لأنهم ملائكة وأنبياء معصومون، فما أبعدهم عن الإضلال الذي هو مختص بإبليس وحزبه. أو نطقوا بسبحانك ليدلوا على أنهم المسبحون المتقدّسون الموسومون بذلك، فكيف يليق بحالهم أن يضلوا عباده. أو قصدوا به تنزيهه عن الأنداد، وأن يكون له نبىّ أو ملك أو غيرهما ندّا، ثم قالوا: ما كان يصحّ لنا ولا يستقيم ونحن معصومون أن نتولى أحدا دونك. فكيف يصحّ لنا أن نحمل غيرنا على أن يتولونا دونك. أو ما كان ينبغي لنا أن نكون أمثال الشياطين في توليهم الكفار كما تولاهم الكفار. قال الله تعالى فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ يريد الكفرة وقال وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ وقرأ أبو جعفر المدني: نتخذ، على البناء للمفعول. وهذا الفعل أعنى «اتخذ» يتعدى إلى مفعول واحد، كقولك: اتخذ وليا، وإلى مفعولين كقولك اتخذ فلانا وليا. قال الله تعالى أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ وقال وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا فالقراءة الأولى من المتعدي إلى واحد وهو مِنْ أَوْلِياءَ والأصل: أن نتخذ أولياء، فزيدت مِنْ لتأكيد معنى النفي، والثانية من المتعدي إلى مفعولين. فالأول ما بنى له الفعل. والثاني: مِنْ أَوْلِياءَ. ومن للتبعيض، أى: لا نتخذ بعض أولياء. وتنكير أَوْلِياءَ من حيث أنهم أولياء مخصوصون وهم الجن والأصنام والذكر: ذكر الله والإيمان به. أو القرآن والشرائع. والبور: الهلاك، يوصف به الواحد والجمع. ويجوز أن يكون جمع بائر، كعائذ وعوذ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب