وقرئ: خالق كل دابة. ولما كان اسم الدابة موقعا على المميز وغير المميز، غلب المميز فأعطى ما وراءه حكمه، كأن الدواب كلهم مميزون. فمن ثمة قيل: فمنهم، وقيل: من يمشى في الماشي على بطن والماشي على أربع قوائم. فإن قلت: لم نكر الماء في قوله مِنْ ماءٍ؟
قلت: لأنّ المعنى أنه خلق كل دابة من نوع من الماء مختص بتلك الدابة. أو خلقها من ماء مخصوص وهو النطفة، ثم خالف بين المخلوقات من النطفة، فمنها هوام ومنها بهائم ومنها ناس.
ونحوه قوله تعالى يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ. فإن قلت: فما باله معرّفا في قوله وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ؟ قلت: قصد ثمة معنى آخر: وهو أن أجناس الحيوان كلها مخلوقة من هذا الجنس [[قال محمود: «إن قلت لم نكر ماء هاهنا وعرفه في قوله وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ؟ قلت:
الغرض فيما نحن فيه أنه تعالى خلق كل دابة من نوع من الماء مخصوص وهو النطفة، ثم خالف بين المخلوقات بحسب اختلاف نطفها، فمنها كذا ومنها كذا. ونحوه قوله يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ وأما آية «اقترب» فالغرض فيها أن أجناس الحيوانات كلها مخلوقة من هذا الجنس» قال أحمد: وتحرير الفرق أن المقصد في الأولى إظهار الآية بأن شيئا واحدا تكونت منه بالقدرة أشياء مختلفة، ذكر تفصيلها في آية النور والرعد:
والمقصد في آية اقترب: أنه خلق الأشياء المتفقة في جنس الحياة من جنس الماء المختلف الأنواع، فذكر معرفا ليشمل أنواعه المختلفة، فالآية في الأول لإخراج المختلف من المتفق، والله أعلم.]] الذي هو جنس الماء، وذلك أنه هو الأصل وإن تخللت بينه وبينها وسائط. قالوا: خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء، والجنّ من نار خلقها منه. وآدم من تراب خلقه منه. فإن قلت: لم جاءت الأجناس الثلاثة على هذا الترتيب؟ قلت:
قدم ما هو أعرق في القدرة وهو الماشي بغير آلة مشى من أرجل أو قوائم، ثم الماشي على رجلين، ثم الماشي على أربع. فإن قلت: لم سمى الزحف على البطن مشيا؟ قلت: على سبيل الاستعارة، كما قالوا في الأمر المستمرّ: قد مشى هذا الأمر. ويقال: فلان لا يتمشى له أمر.
ونحوه استعارة الشقة مكان الجحفلة [[قوله «مكان الجحفلة» في الصحاح: الجحفلة للحافر، كالشفة للإنسان، اه أى لذي الحافر. (ع)]] ، والمشفر مكان الشفة. ونحو ذلك. أو على طريق المشاكلة لذكر الزاحف مع الماشين.
{"ayah":"وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَاۤبَّةࣲ مِّن مَّاۤءࣲۖ فَمِنۡهُم مَّن یَمۡشِی عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن یَمۡشِی عَلَىٰ رِجۡلَیۡنِ وَمِنۡهُم مَّن یَمۡشِی عَلَىٰۤ أَرۡبَعࣲۚ یَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا یَشَاۤءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}