الْقَوْلَ القرآن، يقول: أفلم يتدبروه ليعلموا أنه الحق المبين فيصدّقوا به وبمن جاء به، بل أجاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ فلذلك أنكروه واستبدعوه، كقوله: لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ أو ليخافوا عند تدبر آياته وأقاصيصه مثل ما نزل بمن قبلهم من المكذبين، أم جاءهم من الأمن ما لم يأت آباءهم حين خافوا الله فآمنوا به وبكتبه ورسله وأطاعوه؟ وآباؤهم: إسماعيل وأعقابه من عدنان وقحطان. وعن النبي ﷺ «لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين، ولا تسبوا قسا فإنه كان مسلما، ولا تسبوا الحارث بن كعب ولا أسد بن خزيمة ولا تميم ابن مرّ. فإنهم كانوا على الإسلام، وما شككتم فيه من شيء فلا تشكوا في أن تبعا كان مسلما [[قلت اقتصر المخرج في عزو الجملة الأولى إلى السهيلي عن الزبير، وتتضمن الباقي. وقد أخرجه ابن سعد والبلاذري من طريق سعد ابن أبى أيوب عن عبد الله بن خالد أنه بلغه أن رسول الله ﷺ قال:
لا تسبوا مضر فانه كان مسلما. وأما تبع فروى الفاكهي من طريق عمر بن جابر عن سهل بن سعد رفعه، لا تسبوا تبعا فانه قد أسلم. وأخرجه الحاكم من طريق ابن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: «كان تبع رجلا صالحا. الحديث» موقوف. وقوله: والخطبة التي خطبها أبو طالب في نكاح خديجة بنت خويلد رضى الله عنها كفى برغائها مناديا: قلت نص له أيضا.]] » وروى في أنّ ضبة كان مسلما، وكان على شرطة سليمان بن داود أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا محمدا وصحة نسبه، وحلوله في سطة هاشم، وأمانته، وصدقه، وشهامته، وعقله، واتسامه بأنه خير فتيان قريش، والخطبة التي خطبها أبو طالب في نكاح خديجة بنت خويلد، كفى برغائها مناديا.
الجنة: الجنون وكانوا يعلمون أنه بريء منها وأنه أرجحهم عقلا وأثقبهم ذهنا، ولكنه جاءهم بما خالف شهواتهم وأهواءهم، ولم يوافق ما نشأوا عليه، وسيط بلحومهم [[قوله «وسيط بلحومهم» أى: وخلط. (ع)]] ودمائهم من اتباع الباطل، ولم يجدوا له مردّا ولا مدفعا لأنه الحق الأبلج والصراط المستقيم، فأخلدوا إلى البهت وعوّلوا على الكذب من النسبة إلى الجنون والسحر والشعر. فإن قلت: قوله وَأَكْثَرُهُمْ فيه أن أقلهم كانوا لا يكرهون الحق. قلت: كان فيهم من يترك الإيمان به أنفة واستنكافا من توبيخ قومه وأن يقولوا صبأ وترك دين آبائه، لا كراهة للحق، كما يحكى عن أبى طالب [[قال محمود: «فان قلت أكثرهم يعطى أن أقلهم لا يكره الحق، وكيف ذلك والكل كفرة؟ قلت: فيهم من أبى الإسلام حذرا من مخالفة آبائه ومن أن يقال صبأ كأبى طالب، لا كراهة للحق» قال أحمد: وأحسن من هذا أن يكون الضمير في قوله: وَأَكْثَرُهُمْ على الجنس للناس كافة، ولما ذكر هذه الطائفة من الجنس بقي الكلام في قوله وَأَكْثَرُهُمْ على الجنس بجملته، كقوله إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وكقوله وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ويدل على ذلك قوله تعالى بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ والنبي ﷺ جاء الناس كلهم وبعث إلى الكافة. ويحتمل أن يحمل الأكثر على الكل كما حمل القليل على النفي والله أعلم. وأما قول الزمخشري-: إن من تمادى على الكفر وآثر البقاء عليه تقليدا لآبائه «ليس كارها للحق- فمردود، فان من أحب شيئا كره ضده، فإذا أحبوا البقاء على الكفر فقد كرهوا الانتقال عنه إلى الايمان ضرورة، والله أعلم، ثم انجر الكلام إلى استبعاد إيمان أبى طالب. وتحقيق القول فيه أنه مات على الكفر، ووجه ذلك بأنه أشهر عمومة النبي ﷺ، فلو كان قد أسلم لاشتهر إسلامه، كما اشتهر إسلام العباس وحمزة وأجدر لأنه أشهر، وللقائل بإسلامه أن يعتذر عن عدم شهرته بأنه إنما أسلم قبيل الاحتضار، فلم يظهر له مواقف في الإسلام يشتهر بها كما ظهر لغيره من عمومته عليه الصلاة والسلام. هذا والظاهر أنه لم يسلم. وحسبك دليلا على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: سألت الله تعالى فيه، وأنه بعد ذلك لفي ضحضاح من نار يغلى رأسه من قدميه. فان قيل: لا يلزم من ذلك موته على الكفر، لأن كثيرا من عصاة الموحدين يعذب بأكثر من ذلك. قلنا: من أثبت إسلامه ادعى أن ذلك كان قبيل الاحتضار، فالإسلام جب ما قبله، وتلك الدقيقة التي صار فيها من المسلمين لا تحتمل من المعاصي ما يوجب ذلك، والله أعلم.]] . فإن قلت:
يزعم بعض الناس أنّ أبا طالب صحّ إسلامه. قلت: يا سبحان الله، كأن أبا طالب كان أخمل أعمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى يشتهر إسلام حمزة والعباس رضى الله عنهما، ويخفى إسلام أبى طالب.
{"ayahs_start":68,"ayahs":["أَفَلَمۡ یَدَّبَّرُوا۟ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَاۤءَهُم مَّا لَمۡ یَأۡتِ ءَابَاۤءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِینَ","أَمۡ لَمۡ یَعۡرِفُوا۟ رَسُولَهُمۡ فَهُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ","أَمۡ یَقُولُونَ بِهِۦ جِنَّةُۢۚ بَلۡ جَاۤءَهُم بِٱلۡحَقِّ وَأَكۡثَرُهُمۡ لِلۡحَقِّ كَـٰرِهُونَ"],"ayah":"أَفَلَمۡ یَدَّبَّرُوا۟ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَاۤءَهُم مَّا لَمۡ یَأۡتِ ءَابَاۤءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِینَ"}