قَرْناً آخَرِينَ هم عاد قوم هود: عن ابن عباس رضى الله عنهما. وتشهد له حكاية الله تعالى قول هود: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ومجيء قصة هود على أثر قصة نوح في سورة الأعراف وسورة هود والشعراء. فإن قلت: حق أرسل أن يعدى بإلى، كأخواته التي هي: وجه، وأنفذ، وبعث. فما باله عدّى في القرآن بإلى تارة، وبقي أخرى، كقوله:
كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ، وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ. فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا أى في عاد. وفي موضع آخر وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً؟ قلت: لم يعدّ بفي كما عدّى بإلى، ولم يجعل صلة مثله، ولكن الأمّة أو القرية جعلت موضعا للإرسال، كما قال رؤبة:
أرسلت فيها مصعبا ذا إقحام [[أرسلت فيها مصعبا ذا إقحام ... طبا فقيها بذوات الابلام
لعطاه السندي. ويقال: أصعب الجمل فهو مصعب، إذا صار صعبا لا يركب. والاقحام: الدخول في الشيء بلا تمهل ولا روية. ويروى: أرسلت فيها مقرما ذا تشمام. وأقرمته: شوقته إلى الضراب. ونحوه: ذا تشمام، أى:
يتشمم رائحة الناقة التائقة للضراب فيعرفها. والطب- مثلث-: الطبيب الحاذق. وأبلمت الناقة إبلاما: إذا ورم فرجها من شدة الشهوة إلى الضراب. والبلم- كسبب-: اسم منه. ويجوز أن ما هنا أبلام كأسباب، فالمعنى: أنه أرسل في الإبل فحلا كريما يقدم عليها من غير تلبث. أو يتشممها ويتعرفها حاذقا عارفا بالنوق التائقة إليه. ويجوز أن المعنى: أرسلت في تلك القضية رجلا كالجمل الشديد، ذا إقدام على الأمر بجراءة، فقيها عارفا بمعالجة الأشياء الصعبة ذوات الأعضال، وبحل مشكلاتها، فهو في غاية المعرفة والتجربة.]]
وقد جاء «بعث» على ذلك في قوله وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً. أَنِ مفسرة لأرسلنا، أى: قلنا لهم على لسان الرسول اعْبُدُوا اللَّهَ.
{"ayahs_start":31,"ayahs":["ثُمَّ أَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِینَ","فَأَرۡسَلۡنَا فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡهُمۡ أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۤۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ"],"ayah":"ثُمَّ أَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِینَ"}