الباحث القرآني

مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ دليل بين على تغاير الرسول والنبي. وعن النبي ﷺ أنه سئل عن الأنبياء فقال «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا» قيل فكم الرسول منهم؟ قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا» [[أخرجه أحمد وإسحاق من رواية معاذ بن رفاعة عن على بن زيد عن القاسم عن أبى أمامة «أن أبا ذر سأل رسول الله ﷺ: كم الأنبياء؟ فقال: مثله. وعلى ضعيف. ورواه ابن حبان من طريق إبراهيم بن هشام الغساني حدثنا أبى عن حذيفة. يعنى يحيى الغساني عن أبى إدريس الخولاني عن أبى ذر- فذكره في حديث طويل جدا. وأفرط ابن الجوزي فذكره في الموضوعات واتهم به إبراهيم بن هشام المذكور. ولم يصب في ذلك: فإنها طريقا أخرجها الحاكم وغيره من رواية يحيى بن سعيد السعيدي عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن أبى ذر بطوله. ويحيى السعيدي ضعيف. ولكن لا يأتى الحكم بالوضع مع هذه المتابعة.]] . والفرق بينهما أن الرسول من الأنبياء: من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه. والنبىّ غير الرسول: من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر أن يدعو الناس إلى شريعة من قبله. والسبب في نزول هذه الآية أنّ رسول الله ﷺ لما أعرض عنه قومه وشاقوه وخالفه عشيرته ولم يشايعوه على ما جاء به: تمنى لفرط ضجره من إعراضهم ولحرصه وتهالكه على إسلامهم أن لا ينزل عليه ما ينفرهم، لعله يتخذ ذلك طريقا إلى استمالتهم واستنزالهم عن غيهم وعنادهم، فاستمرّ به ما تمناه حتى نزلت عليه سورة «والنجم» وهو في نادى قومه، وذلك التمني في نفسه، فأخذ يقرؤها فلما بلغ قوله وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى : أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ التي تمناها، أى: وسوس إليه بما شيعها به، فسبق لسانه على سبيل السهو والغلط إلى أن قال: تلك الغرانيق [[أخرجه البزار والطبري والطبراني وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة عن أبى بشر عن سعيد ابن جبير قال: لا أعلمه إلا عن ابن عباس «أن النبي ﷺ كان بمكة فقرأ سورة النجم، حتى انتهى إلى قوله تعالى أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى فجرى على لسانه: تلك الغرانيق العلا، الشفاعة منها ترتجى، قال: فسمع بذلك مشركو مكة، فسروا بذلك. فاشتبه على رسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى- الآية» زاد في رواية ابن مردويه: فلما بلغ آخرها سجد وسجد معه المسلمون والمشركون» ورواه الطبري من طريق سعيد بن جبير مرسلا. وأخرجه ابن مردويه من طريق أبى عاصم النبيل عن عثمان بن الأسود عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه. ولم يشك في وصله، وهذا أصح طرف هذا الحديث. قال البزار: تفرد بوصله أمية بن خالد عن شعبة، وغيره يرويه عنه مرسلا. وأخرجه الطبري وابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس. وهو من طريق العوفى عن جده عطية عنه، وأخرجه الطبري من طريق محمد بن كعب القرظي، ومن طريق قتادة، ومن طريق أبى العالية. فهذه مراسيل يقوى بعضها بعضا. وأصل القصة في الصحيح بلفظ «أن النبي ﷺ وهو بمكة- فسجد وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والانس» قال البزار: المعروف في هذا رواية الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس. وأخرجها ابن مردويه من طريقه. وأخرجه الواقدي من طريق أخرى. قلت: وفي مجموع ذلك رد على عياض حيث قال: إن من ذكر من المفسرين وغيرهم لم يسندها أحد منهم، ولا رفعها إلى صاحب إلا رواية البزار. وقد بين البزار أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره سوى ما ذكره وفيه ما فيه مع وقوع الشك. قلت: أما ضعفه فلا ضعف فيه أصلا. فان الجميع ثقات وأما الشك فيه فقد يجيء تأثيره ولو فردا غريبا لكن غايته أنه يصير مرسلا، إنما هو حجة عند عياض وغيره ممن يقبل مرسل الثقة، أما هو حجة إذا اعتضد عند من يرد المرسل إنما يعتضد بكثرة المتابعات. تبع ثقة رجالها. وأما طعنه فيه باختلاف الألفاظ فلا تأثير للروايات الضعيفة الواهية في الرواية القوية. فيعتمد من القصة على الرواية الصحيحة أى يعتمد على الرواية المتابعة وليس فيها ولا فيما تابعها اضطراب والاضطراب في غيرها. فيكفى لأنه ضعيف برواية الكلبي، ويكفى ما عداها، وأما طعنه فيه من جهة المعنى فله أسوة كثيرة من الأحاديث الصحاح التي لا يؤخذ بظاهرها، بل يرد بالتأويل المعتمد إلى ما يليق بقواعد الدين.]] العلى، وإن شفاعتهنّ لترتجى. وروى: الغرانقة، ولم يفطن له حتى أدركته العصمة فتنبه عليه. وقيل: نبهه جبريل عليه السلام. أو تكلم الشيطان بذلك فأسمعه الناس، فلما سجد في آخرها سجد معه جميع من في النادي وطابت نفوسهم، وكان تمكين الشيطان من ذلك محنة من الله وابتلاء، زاد المنافقون به شكا وظلمة، والمؤمنون نورا وإيقانا. والمعنى: أن الرسل والأنبياء من قبلك كانت هجيراهم كذلك إذا تمنوا مثل ما تمنيت، مكن الله الشيطان ليلقى في أمانيهم مثل ما ألقى في أمنيتك، إرادة امتحان من حولهم، والله سبحانه له أن يمتحن عباده بما شاء من صنوف المحن وأنواع الفتن، ليضاعف ثواب الثابتين ويزيد في عقاب المذبذبين. وقيل تَمَنَّى: قرأ. وأنشد: تمنّى كتاب الله أوّل ليلة ... تمنّى داود الزّبور على رسل [[تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة 157 فراجعه إن شئت اه مصححه،]] وأمنيته: قراءته. وقيل: تلك الغرانيق: إشارة إلى الملائكة، أى: هم الشفعاء لا الأصنام فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ أى يذهب به ويبطله ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ أى يثبتها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب