الباحث القرآني

إيجاس الخوف: إضمار شيء منه، وكذلك توجس الصوت: تسمع نبأة يسيرة [[قوله «نبأة يسيرة» في الصحاح «النبأة» : الصوت الخفي. (ع)]] منه، وكان ذلك لطبع الجبلة البشرية، وأنه لا يكاد يمكن الخلو من مثله. وقيل: خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى فيه تقرير لغلبته وقهره، وتوكيد بالاستئناف وبكلمة التشديد وبتكرير الضمير وبلام التعريف وبلفظ العلوّ وهو الغلبة الظاهرة وبالتفضيل. وقوله ما فِي يَمِينِكَ ولم يقل عصاك [[قال محمود: «وقال ما في يمينك ولم يقل عصاك ... الخ» قال أحمد: وإنما المقصود بتحقيرها في جنب القدرة تحقير كيد السحرة بطريق الأولى لأنها إذا كانت أعظم منه وهي حقيرة في جانب قدرة الله تعالى، فما الظن بكيدهم وقد تلقفته هذه الحقيرة الضئيلة؟ ولأصحاب البلاغة طريق في علو المدح بتعظيم جيش عدو الممدوح، ليلزم من ذلك تعظيم جيش الممدوح وقد قهره واستولى عليه، فصغر الله أمر العصا ليلزم منه تصغير كيد السحرة الداحض بها في طرفة عين.]] : جائز أن يكون تصغيرا لها، أى: لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم، وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك، فإنه بقدرة الله يتلقفها على وحدته وكثرتها، وصغره وعظمها. وجائز أن يكون تعظيما لها [[عاد كلامه. قال محمود: «ويجوز أن يكون تعظيما لأمرها إذ فيه تثبيت لقلب موسى على النصر» قال أحمد: وهاهنا لطيفة: وهو أنه تلقى من هذا النظم أو لا قصد التحقير، وثانيا قصد التعظيم، فلا بد من نكتة تناسب الأمرين وتلك- والله أعلم- هي إرادة المذكور مبهما، لأن ما في يمينك أبهم من عصاك. وللعرب مذهب في التنكير والإبهام والإجمال، تسلكه مرة لتحقير شأن ما أبهمته وأنه عند الناطق به أهون من أن يخصه ويوضحه، ومرة لتعظيم شأنه وليؤذن أنه من عناية المتكلم والسامع بمكان يعنى فيه الرمز والاشارة، فهذا هو الوجه في إسعاده بهما جميعا. وعندي في الآية وجه سوى قصد لتعظيم والتحقير والله أعلم، وهو أن موسى عليه السلام أول ما علم أن العصا آية من الله تعالى عند ما سأله عنها بقوله تعالى وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى ثم أظهر له تعالى آيتها، فلما دخل وقت الحاجة إلى ظهور الآية منها قال تعالى وألق ما في يمينك ليتيقظ بهذه الصيغة للوقت الذي قال الله تعالى له وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ وقد أظهر له آيتها، فيكون ذلك تنبيها له وتأنيسا حيث خوطب بما عهد أن يخاطب به وقت ظهور آيتها، وذلك مقام يناسب التأنيس والتثبيت. ألا ترى إلى قوله تعالى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى، والله سبحانه وتعالى أعلم.]] أى: لا تحتفل بهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة، فإن في يمينك شيئا أعظم منها كلها، وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عنده، فألقه يتلقفها بإذن الله ويمحقها. وقرئ تَلْقَفْ بالرفع على الاستئناف. أو على الحال، أى: ألقها متلقفة. وقرئ: تلقف، بالتخفيف [[قوله «وقرئ تلقف بالتخفيف» عبارة النسفي: تلقف بسكون اللام والفاء وتخفيف القاف: حفص. وتلقف: ابن ذكوان. الباقون تلقف، فليحرر. (ع)]] . صَنَعُوا هاهنا بمعنى زوّروا وافتعلوا، كقوله تعالى تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ قرئ كَيْدُ ساحِرٍ بالرفع والنصب. فمن رفع فعلى أنّ ما موصولة. ومن نصب فعلى أنها كافة. وقرئ: كيد سحر، بمعنى: ذى سحر: أو ذوى سحر. أو هم لتوغلهم في سحرهم كأنهم السحر بعينه وبذاته. أو بين الكيد [[قوله «أو بين الكيد» لعله بعده سقطا تقديره «بالسحر» . (ع)]] ، لأنه يكون سحرا وغير سحر، كما تبين المائة بدرهم. ونحوه: علم فقه، وعلم نحو. فإن قلت: لم وحد ساحر ولم يجمع؟ قلت: لأنّ القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية، لا إلى معنى العدد، فلو جمع، لخيل أنّ المقصود هو العدد. ألا ترى إلى قوله وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ أى هذا الجنس. فإن قلت: فلم نكر أوّلا وعرف ثانيا؟ قلت: إنما نكر من أجل تنكير المضاف، لا من أجل تنكيره في نفسه، كقول العجاج: في سعى دنيا طالما قد مدّت [[الحمد لله الذي استقلت ... باذنه السماء واطمأنت باذنه الأرض وما تعنت ... أوحى لها القرار فاستقرت وشدها بالراسيات الثبت ... والجاعل الغيث غياث الأمت والجامع الناس ليوم البعثت ... بعد الممات وهو محيى الموت يوم ترى النفوس ما أعدت ... من نزل إذا الأمور غبت في سعى دنيا طالما تعنت استقلت: ارتفعت. واطمأنت: انخفضت. وفي الشعر التضمين. والتعنت: الاتعاب أو التأخر والتثاقل، من العنا وهو التعب. وأوحى لها: ألهمها. واثبت: جمع ثابت، والوقف على هاء التأنيث، كالأمت بالتاء قليل. والموت: جمع مائت. والنزل: ما يعد للضيف، استعارة لما يقدمه الإنسان من الأعمال. وغبت: بلغت غبها وغايتها. وفي سعى: متعلق به، أو بتعنت بعده، أى: تعبت أو أتعبت. وضمن على المعنى الأول للنفوس، وعلى الثاني للدنيا، ونكرها لتنكير السعى دلالة على التقليل، أى: في سعي دنيوى قليل.]] وفي حديث عمر رضى الله عنه «لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة» المراد تنكير الأمر، كأنه قيل: إن ما صنعوا كيد سحري. وفي سعى دنيوى. وأمر دنيوى وآخري حَيْثُ أَتى كقولهم: حيث سير، وأية سلك، وأينما كان.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب