فإن قلت: كيف عدى وسوس تارة باللام في قوله فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ وأخرى بإلى؟
قلت: وسوسة الشيطان كولولة الثكلى [[قوله «كولولة الثكلى» أى الحزينة. (ع)]] ووعوعة الذئب ووقوفة الدجاجة، في أنها حكايات للأصوات وحكمها حكم صوت وأجرس. ومنه: وسوس المبرسم، وهو موسوس بالكسر.
والفتح لحن. وأنشد ابن الأعرابى:
وسوس يدعو مخلصا ربّ الفلق [[وسوس يدعو مخلصا رب الفلق ... سرا وقد أونّ تأوين العقق
في الزرب لو يمضغ شربا ما بصق
لرؤبة، يصف قانصا. وسوس: تكلم في نفسه، يدعو لله مخلصا أنه يظفره بالصيد، وقوله «سرا» ساقه مساق الظرف للتوكيد، أى تعلق بوسوس، وللتأسيس إن تعلق بيدعو، وتكون الجملة حالية مبينة للوسوسة. وقد أونّ أى: الحمير الوحشية، والجملة أيضا حالية، والتأوين: امتلاء الجنبين من الأون، وهو جانب الخرج الممتلئ. والأوثان الجانبان الممتلئان. والعقق: الحوامل، واحده عقوق كعروس، وقيل: هو العقوق، أى امتلأت بطونهن ماء لكثرة شربهن كامتلاء بطون الحوامل في الزرب، حال من ضمير القانص. والزرب والزربة: قترته التي يكمن فيها وانزرب القانص: دخل الزرب. وقوله «لو يمضغ» في معنى الحال أيضا، أى: ساكنا بحيث لو يمضغ شربا، أى:
لو يلوك بفمه مقدارا من مائه وهو الريق، لم يبصق لئلا يسمع الصيد صوته. وأصل الشرب: النصيب من الماء، استعاره لما يجتمع بفمه من الريق، وبين الزرب والشرب الجناس المضارع.]]
فإذا قلت: وسوس له، فمعناه لأجله، كقوله:
أجرس لها يا ابن أبى كباش [[أجرس لها يا ابن أبى كباش ... فما لها الليلة من أنفاش
غير السرى وسائق نجاش
«أجرس» بقطع الهمزة وبالسين المهملة، أى: صوت واحد للإبل في السير، فما لها في هذه الليلة انفاش، أى:
إطلاق في المرعى. والسرى: سير الليل. ونجشت الإبل: جمعتها بعد تفرق. ونجاش: صيغة مبالغة، أى: ليس لها رعى، بل سير شديد. وروى «اجرش» بوصل الهمزة والشين المشالة، وهو بمعناه هنا. والجرس- بالمهملة-:
الصوت الخفي، وبالمشالة: صوت المشط في الشعر. وما شابه ذلك.]]
ومعنى «وسوس إليه» أنهى إليه الوسوسة، كقولك. حدّث إليه. وأسرّ إليه. أضاف الشجرة إلى الخلد وهو الخلود، لأن من أكل منها خلد بزعمه، كما قيل لحيزوم: فرس الحياة، لأنّ من باشر أثره حيي وَمُلْكٍ لا يَبْلى دليل على قراءة الحسن بن على وابن عباس رضى الله عنهم:
إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ بالكسر.
{"ayah":"فَوَسۡوَسَ إِلَیۡهِ ٱلشَّیۡطَـٰنُ قَالَ یَـٰۤـَٔادَمُ هَلۡ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلۡخُلۡدِ وَمُلۡكࣲ لَّا یَبۡلَىٰ"}