قرأ أبو عمرو وابن كثير إِنِّي بالفتح، أى: نودي بأنى أَنَا رَبُّكَ وكسر الباقون، أى:
نودي فقيل يا موسى. أو لأنّ النداء ضرب من القول فعومل معاملته. تكرير الضمير في إِنِّي أَنَا رَبُّكَ لتوكيد الدلالة وتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة. روى أنه لما نودي يا مُوسى قال:
من المتكلم؟ فقال له الله عز وجل: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ، وأن إبليس وسوس إليه فقال: لعلك تسمع كلام شيطان. فقال: أنا عرفت أنه كلام الله بأنى أسمعه من جميع جهاتى الست، وأسمعه بجميع أعضائى. وروى أنه حين انتهى رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها كأنها نار بيضاء تتقد [[قوله «كأنها نار بيضاء تتقد ... الخ» عبارة الخازن «أطافت بها نار ... الخ» وعبارة النسفي بدل قوله «رأى شجرة ... الخ» : «وجد نارا بيضاء تتوقد في شجرة خضراء من أعلاها إلى أسفلها وكانت شجرة العناب أو العوسج» (ع)]] ، وسمع تسبيح الملائكة، ورأى نورا عظيما فخاف وبهت، فألقيت عليه السكينة ثم نودي، وكانت الشجرة عوسجة. وروى: كلما دنا أو بعد لم يختلف ما كان يسمع من الصوت.
وعن ابن إسحاق: لما دنا استأخرت عنه، فلما رأى ذلك رجع وأوجس في نفسه خيفة، فلما أراد الرجعة دنت منه، ثم كلم. قيل: أمر بخلع النعلين لأنهما كانتا من جلد حمار ميت غير مدبوغ [[لم أره هكذا وفي الترمذي والحاكم عن عبد الله بن مسعود رفعه «يوم كلم الله موسى كان عليه جبة صوف ونعلان من جلد حمار ميت غير ذكى» .]] عن السدى وقتادة. وقيل: ليباشر الوادي بقدميه متبركا به. وقيل: لأن الحفوة تواضع لله، ومن ثم طاف السلف بالكعبة حافين، ومنهم من استعظم دخول المسجد بنعليه، وكان إذا ندر منه الدخول منتعلا تصدق، والقرآن يدل على أن ذلك احترام للبقعة وتعظيم لها وتشريف لقدسها. وروى أنه خلع نعليه وألقاهما من وراء الوادي طُوىً بالضم والكسر منصرف وغير منصرف بتأويل المكان والبقعة. وقيل: مرتين، نحو ثنى [[قوله «وقيل مرتين نحو ثنى» في الصحاح: وقال يعنى بعضهم في قوله تعالى بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً طوى مرتين، أى قدس. وفيه أيضا «الثني» مقصور: الأمر يعاد مرتين اه، فلعل أصل عبارته أيضا: وقيل طوى مرتين يعنى قدس وطهر مرتين. وظاهر العبارة أن طوى مثل ثنى بمعنى مرتين، أى: نودي موسى مرتين، أو قدس الوادي مرتين فهو منصوب بنودى أو بالمقدس. (ع)]] ، أى نودي نداءين أو قدس الوادي كرة بعد كرة وَأَنَا اخْتَرْتُكَ اصطفيتك للنبوة. وقرأ حمزة: وإنا اخترناك.
لِما يُوحى للذي يوحى. أو للوحى. تعلق اللام باستمع، أو باخترتك لِذِكْرِي لتذكرني فإن ذكرى أن أعبد ويصلى لي. أو لتذكرني فيها لاشتمال الصلاة على الأذكار عن مجاهد. أو:
لأنى ذكرتها في الكتب وأمرت بها. أو لأن أذكرك بالمدح والثناء وأجعل لك لسان صدق.
أو لذكرى خاصة لا تشوبه بذكر غيرى أو لإخلاص ذكرى وطلب وجهى لا ترائى بها ولا تقصد بها غرضا آخر. أو لتكون لي ذاكرا غير ناس فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربهم على بال منهم وتوكيل هممهم وأفكارهم به، كما قال لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. أو لأوقات ذكرى وهي مواقيت الصلاة، كقوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً واللام مثلها في قولك: جئتك لوقت كذا، وكان ذلك لست ليال خلون. وقوله تعالى يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي وقد حمل على ذكر الصلاة بعد نسيانها من قوله عليه السلام «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها [[متفق عليه من حديث أبى هريرة في قصة النوم عن الصلاة. وفي آخره: من نسى صلاة فليصلها إذا اذكرها فان الله تعالى قال أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي وفي رواية «لذكرى» وهو أيضا متفق عليه من حديث أنس مرفوعا بلفظ «من نسى صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها» زاد البخاري في رواية «أقم الصلاة لذكرى» .]] » وكان حق العبارة أن يقال: لذكرها، كما قال رسول الله ﷺ «إذا ذكرها» ومن يتمحل له يقول: إذا ذكر الصلاة فقد ذكر الله. أو بتقدير حذف المضاف، أى: لذكر صلاتي. أو لأن الذكر والنسيان من الله عز وجل في الحقيقة. وقرأ رسول الله ﷺ: للذكرى.
{"ayahs_start":11,"ayahs":["فَلَمَّاۤ أَتَىٰهَا نُودِیَ یَـٰمُوسَىٰۤ","إِنِّیۤ أَنَا۠ رَبُّكَ فَٱخۡلَعۡ نَعۡلَیۡكَ إِنَّكَ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوࣰى","وَأَنَا ٱخۡتَرۡتُكَ فَٱسۡتَمِعۡ لِمَا یُوحَىٰۤ","إِنَّنِیۤ أَنَا ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِی وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِیۤ"],"ayah":"فَلَمَّاۤ أَتَىٰهَا نُودِیَ یَـٰمُوسَىٰۤ"}