الباحث القرآني

مكية [إلا آيتي 130 و 131 فمدنيتان] وهي 135 آية [نزلت بعد مريم] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طه أبو عمرو فخم الطاء لاستعلائها. وأمال الهاء وفخمها ابن كثير وابن عامر على الأصل، والباقون أمالوهما. وعن الحسن رضى الله عنه: طه، وفسر بأنه أمر بالوطء، وأن النبي ﷺ كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه فأمر بأن يطأ الأرض بقدميه [[أخرجه عبد بن حميد في تفسيره قال: حدثنا هاشم بن القاسم بن أبى جعفر عن الربيع بن أنس قال: كان النبي ﷺ قام على رجل ورفع الأخرى، فأنزل الله طه يعنى طأ الأرض» وروى ابن مردويه من طريق قيس بن الربيع عن قطر بن خليفة عن منذر الثوري عن محمد بن الحنفية عن على «لما نزل يا أيها المزمل قام الليل كله حتى ورمت قدماه فجعل يرفع رجلا ويضع الأخرى فهبط عليه جبريل، فقال «طه طأ الأرض بقدميك يا محمد» وأخرجه البزار من وجه آخر عن على «كان النبي ﷺ يراوح بين قدميه يقوم على كل رجل حتى نزلت طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى» ومن طريق نهشل عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى طه قال «إن رسول الله ﷺ ربما قرأ القرآن إذا صلى، فقام على رجل واحدة، فأنزل الله طأها برجليك» وأخرجه البيهقي في الشعب الرابع عشر من وجه آخر عن ميمون بن مهران عن ابن عباس «أن النبي ﷺ أول ما أنزل عليه الوحى كان يقوم على صدور قدميه إذا صلى. فأنزل الله طه.]] معا، وأن الأصل طأ، فقلبت همزته هاء، أو قلبت ألفا في يطأ فيمن قال: لا هناك المرتع [[نزع ابن بشر وابن عمرو قبله ... وأخو هراة لمثلها يتوقع راحت بمسلمة البغال عشية ... فارعى فزارة لا هناك المرتع للفرزدق، يهجو عمرو بن زهرة الفزاري، وقد ولى العراق بعد عبد الملك بن بشر بن مروان، وكان على البصرة ومحمد ابن عمرو بن الوليد بن عقبة، وكان على الكوفة. يقول: ذهب ابن بشر وابن عمرو، وأخو هراة أى صاحبها وواليها. وهراة من بلاد العراق أيضا. يتوقع: أى يترقب وينتظر مثل حاله من قبله. راحت، وروى: مضت، أى ذهبت البغال بمسلمة بن عبد الملك كما يفيد شرح المراح، وكان يمنع بنى فزارة من الرعي في أرض العراق، ففر إلى الشام وترك الملك، فارعى يا فزارة ما شئت يخاطب القبيلة بذلك، وإشارة إلى أنه كان محرما عليهم، فأبيح بعد مسلمة. وأرعى: بفتح العين وسكون الياء لأن مضارعه مفتوح العين. ولا هناك المرتع: دعا عليهم. يقال: هناك الطعام ومراك، بتخفيف الهمز: انهضم في بطنك وأراحك ونفعك، فإذا انفرد الثاني قلت: أمراك الطعام، وتخفيف الهمزة بقبلها ألفا: صرفه كما هنا شاذ، وقياس تخفيفها في مثل هذا جعلها بين بين لعدم سكون ما قبلها.]] ثم بنى عليه الأمر، والهاء للسكت. ويجوز أن يكتفى بشطرى الاسمين وهما الدالان بلفظهما على المسميين، والله أعلم بصحة ما يقال: إن «طاها» في لغة عك [[قوله «في لغة عك» في الصحاح عك بن عدنان أخو معد وهو اليوم في اليمن. (ع)]] في معنى يا رجل، ولعل عكا تصرفوا في «يا هذا» كأنهم في لغتهم قالبون الياء طاء، فقالوا في «يا» : «طا» ، واختصروا هذا فاقتصروا على ها، وأثر الصنعة ظاهر لا يخفى في البيت المستشهد به: إنّ السّفاهة طاها في خلائقكم ... لا قدّس الله أخلاق الملاعين [[السفاهة: الجهل والحمق والخفة. و «طه» في لغة عك، معناه يا هذا، فكأنهم قلبوا الياء طاء وحذفوا ذا. قال الزمخشري: ولا يخفى التصنع في البيت. والخلائق: الطبائع، ودعا عليهم بأن الله لا يطهر أرواحهم، ووضع المظهر موضع المضمر لزيادة الذم والتشنيع. وقيل: للدلالة على سبب الدعاء، أى: فإنهم ملعونون، ولعل معناه: فإنهم مستحقين للعن وفاعلون سببه.]] والأقوال الثلاثة في الفواتح: أعنى التي قدمتها في أول الكاشف عن حقائق التنزيل، هي التي يعوّل عليها الألباء المتقنون ما أَنْزَلْنا إن جعلت طه تعديدا لأسماء الحروف على الوجه السابق ذكره فهو ابتداء كلام. وإن جعلتها اسما للسورة احتملت أن تكون خبرا عنها وهي في موضع المبتدأ، والْقُرْآنَ ظاهر أوقع موقع الضمير لأنها قرآن، وأن يكون جوابا لها وهي قسم. وقرئ: ما نزل عليك القرآن لِتَشْقى لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم، وتحسرك على أن يؤمنوا كقوله تعالى فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ والشقاء يجيء في معنى التعب. ومنه المثل: أشقى من رائض مهر، أى ما عليك إلا أن تبلغ وتذكر، ولم يكتب عليك أن يؤمنوا لا محالة، بعد أن لم تفرط في أداء الرسالة والموعظة الحسنة. وقيل: إن أبا جهل والنضر بن الحرث قالا له: إنك شقى لأنك تركت دين آبائك، فأريد ردّ ذلك بأن دين الإسلام وهذا القرآن هو السلم إلى نيل كل فوز، والسبب في درك كل سعادة، وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها. وروى أنه عليه الصلاة والسلام صلى بالليل حتى اسمعدت [[قوله «حتى اسمغدت» بالغين المعجمة، أى: تورمت. أفاده الصحاح. (ع)]] قدماه، فقال له جبريل عليه السلام: أبق على نفسك فإن لها عليك حقا [[لم أره هكذا. وفي الدعوات الكبير للبيهقي عن عائشة قالت «لما كانت ليلة النصف من شعبان- فذكر حديثا طويلا- وفيه: فما زال يصلى قائما وقاعدا حتى أصبح وحتى اسمغدت قدماه. فقمت أغمزها- الحديث- وليس فيه كلام جبريل.]] . أى: ما أنزلناه لتنهك نفسك بالعبادة وتذيقها المشقة الفادحة، وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة، وكل واحد من لِتَشْقى وتَذْكِرَةً علة للفعل، إلا أن الأول وجب مجيئه مع اللام لأنه ليس لفاعل الفعل المعلل ففاتته شريطة الانتصاب على المفعولية، والثاني جاز قطع اللام عنه ونصبه لاستجماعه الشرائط. فإن قلت: أما يجوز أن تقول: ما أنزلنا عليك القرآن أن تشقى، كقوله تعالى أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ؟ قلت: بلى ولكنها نصبة طارئة، كالنصبة في وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ وأما النصبة في تذكره فهي كالتي في ضربت زيدا، لأنه أحد المفاعيل الخمسة التي هي أصول وقوانين لغيرها. فإن قلت: هل يجوز أن يكون تَذْكِرَةً بدلا من محل لِتَشْقى؟ قلت: لا، لاختلاف الجنسين، ولكنها نصب على الاستثناء المنقطع الذي «إلا» فيه بمعنى «لكن» ويحتمل أن يكون المعنى: إنا أنزلنا عليك القرآن لتحتمل [[قال محمود: «ويحتمل أن يكون المعنى إنا أنزلنا عليك القرآن لتحتمل ... الخ» قال أحمد: وفي هذا الوجه الثاني بعد، فان فيه إثبات كون الشقاء سببا في نزوله عكس الأول وإن لم تكن اللام سببية فكانت للصيرورة مثلا ولم يكن فيه ما جرت عادة الله تعالى به مع نبيه ﷺ من نهيه عن الشقاء والحزن عليهم وضيق الصدر بهم، وكان مضمون هذه الآية متباينا عن قوله تعالى فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ، فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ ولا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ وأمثاله كثيرة فالظاهر والله أعلم هو التأويل الأول]] متاعب التبليغ ومقاولة العتاة من أعداء الإسلام ومقاتلتهم وغير ذلك من أنواع المشاق وتكاليف النبوّة، وما أنزلنا عليك هذا المتعب الشاق إلا ليكون تذكرة، وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون تذكرة حالا ومفعولا له لِمَنْ يَخْشى لمن يؤول أمره إلى الخشية، ولمن يعلم الله منه أنه يبدل بالكفر إيمانا وبالقسوة خشية. في نصب تَنْزِيلًا وجوه: أن يكون بدلا من تذكرة إذا جعل حالا، لا إذا كان مفعولا له لأن الشيء لا يعلل بنفسه، وأن ينصب بنزل مضمرا، وأن ينصب بأنزلنا، لأن معنى: ما أنزلناه إلا تذكرة: أنزلناه تذكرة، وأن ينصب على المدح والاختصاص وأن ينصب بيخشى مفعولا به، أى: أنزله الله تذكرة لمن يخشى تنزيل الله، وهو معنى حسن وإعراب بين. وقرىّ: تنزيل، بالرفع على خبر مبتدأ محذوف. ما بعد تَنْزِيلًا إلى قوله لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى تعظيم وتفخيم لشأن المنزل، لنسبته إلى من هذه أفعاله وصفاته. ولا يخلو من أن يكون متعلقه إما تَنْزِيلًا نفسه فيقع صلة له، وإما محذوفا فيقع صفة له. فإن قلت: ما فائدة النقلة من لفظ المتكلم إلى لفظ الغائب؟ قلت: غير واحدة منها عادة الافتنان في الكلام وما يعطيه من الحسن والروعة. ومنها أنّ هذه الصفات إنما تسردت مع لفظ الغيبة. ومنها أنه قال أولا أَنْزَلْنا ففخم بالإسناد إلى ضمير الواحد المطاع. ثم ثنى بالنسبة إلى المختص بصفات العظمة والتمجيد فضوعفت الفخامة من طريقين: ويجوز أن يكون أَنْزَلْنا حكاية لكلام جبريل والملائكة النازلين معه. وصف السموات بالعلى: دلالة على عظم قدرة من يخلق مثلها في علوها وبعد مرتقاها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب