الباحث القرآني

الْكِتابَ التوراة، آتاه إياها جملة واحدة. ويقال: قفاه إذا أتبعه من القفا. نحو ذنبه، من الذنب. وقفاه به: أتبعه إياه، يعنى: وأرسلنا على أثره الكثير من الرسل، كقوله تعالى: (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) وهم يوشع وأشمويل وشمعون وداود وسليمان وشعيا وأرميا وعزير وحزقيل وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى وغيرهم. وقيل (عِيسَى) بالسريانية أيشوع. و (مَرْيَمَ) بمعنى الخادم. وقيل: المريم بالعربية من النساء، كالزير من الرجال [[قوله «كالزير من الرجال» في الصحاح: هو الذي يحب محادثة النساء ومجالستهن. (ع)]] . وبه فسر قول رؤبة: قُلْتُ لِزَيْرٍ لَمْ تَصِلْهُ مَرْيَمُهْ [[قلت لزير لم تصله مريمه ... ضليل أهواء الصبا تندمه لرؤبة بن العجاج يعاتب أبا جعفر الدوانيقي على البطالة ومغازلة النساء. سمى بذلك لأنه زاد في الخراج دوانق أيام خلافته، كذا في الكشف. والزير من يكثر مودة النساء وزيارتهن. والمريم: من تكثر مودة الرجال وزيارتهم. قال أبو عمرو: من رام بريم، ومعناه بقي أو ذهب. وريمت السحابة تريما: دامت، لدوامها على المودة، أو لخروجها من بيتها. والضليل كثير الضلال. والصبا: الميل إلى الجهل والفتوة. وتندمه: بمعنى ندمه، فهر مصدر مرفوع فاعل ضليل. ولعل معناه أن ندمه ضال ضائع في أهواء الصبا. ويروى «مندمه» بصيغة اسم الفاعل. وضليل: مرفوع على الابتداء، ومندمه خبره. ولعل معناه أن الرجل كثير الضلال يعنى نفسه هو الذي يندمه ويجعله نادما، أى يأمره بالندم. وقال عبد الحكيم على البيضاوي نقلا عن الكشف: أى قلت له من كثر ضلاله يكون مندم نفسه وموقعها في الندامة. واللام في قوله لزير للتعليل أى قلت ذلك القول لأجله، هذا توجيه ما قيل فيه. ولو جعلت ضليل صفة زير كالوجه الأول، وتندمه فعل أمر مقول القول، حرك بالضم لالتقائه ساكناً مع هاء السكت ولمناسبة القافية لجاز: أى قلت له تندم وتب، لكن فيه تكلف شاذ.]] ووزن «مريم» عند النحويين «مفعل» لأن فعيلا بفتح الفاء لم يثبت في الأبنية كما ثبت نحو عثير وعليب [[قوله «عثير وعليب» العثير: الغبار. وعليب: اسم واد. (ع)]] الْبَيِّناتِ المعجزات الواضحات والحجج، كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والإخبار بالمغيبات. وقرئ: وآيدناه. ومنه: آجده بالجيم [[قوله «ومنه آجده بالجيم» وأصله ما يقال: ناقة أجد، أى قوية موثقة الخلق أفاده الصحاح. (ع)]] إذا قوّاه. يقال: الحمد للَّه الذي آجدنى بعد ضعف، وأوجدنى بعد فقر. بِرُوحِ الْقُدُسِ بالروح المقدّسة، كما تقول: حاتم الجود، ورجل صدق. ووصفها بالقدس كما قال: (وَرُوحٌ مِنْهُ) فوصفه بالاختصاص والتقريب للكرامة. وقيل: لأنه لم تضمه الأصلاب، ولا أرحام الطوامث. وقيل بجبريل. وقيل بالإنجيل كما قال في القرآن: (رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) وقيل باسم اللَّه الأعظم الذي كان يحيى الموتى بذكره. والمعنى: ولقد آتينا يا بنى إسرائيل أنبياءكم ما آتيناهم أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ منهم بالحق اسْتَكْبَرْتُمْ عن الإيمان به، فوسط بين الفاء وما تعلقت به همزة التوبيخ والتعجيب من شأنهم. ويجوز أن يريد: ولقد آتيناهم ما آتيناهم ففعلتم ما فعلتم. ثم وبخهم على ذلك. ودخول الفاء لعطفه على المقدّر. فإن قلت: هلا قيل وفريقا قتلتم؟ [[قال محمود رحمه اللَّه: «إن قلت هلا قيل وفريقاً قتلتم ... الخ» قال أحمد رحمه اللَّه: والتعبير بالمضارع يفيد ذلك دون الماضي، كقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) فعبر بالماضي ثم قال: فتصبح الأرض مخضرة، فعدل عنه إلى المضارع إرادة لتصوير اخضرارها في النفس. وعليه قوله ابن معديكرب يصور شجاعته وجرأته: فانى قد لقيت القرن أسعى ... بسهب كالصحيفة صحصحان فآخذه فأضربه فيهوى ... صريعا لليدين وللجران]] . قلت: هو على وجهين: أن تراد الحال الماضية، [[قوله «أن تراد الحال الماضية» لعله: أن تراد حكاية الحال. (ع)]] لأنّ الأمر فظيع فأريد استحضاره في النفوس وتصويره في القلوب، وأن يراد: وفريقا تقتلونهم بعد لأنكم تحومون حول قتل محمد صلى اللَّه عليه وسلم لولا أنى أعصمه منكم. ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة. وقال صلى اللَّه عليه وسلم عند موته «ما زالت أُكلة خيبر تعادّنى، فهذا أوان قطعت أبهرى» [[أخرجه البزار وأبو نعيم في الطب وابن عدى في الكامل. من طريق سعيد بن محمد الوراق عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه. وسعيد ضعيف، لكن رواه الحاكم من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمر بسنده «أن امرأة يهودية أتت النبي صلى اللَّه عليه وسلم بشاة مصلية- فذكر القصة- وفيها: أن هذه الشاة مسمومة، وأن بشر بن البراء مات منها. فقتلها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» . وأخرج هذا القدر أبو داود من رواية خالد الطحان عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة مرسلا. ورواه الطبري من حديث بريدة قال «خرجنا إلى خيبر- فذكر القصة. قال: فلما اطمأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم- يعنى بخيبر- أهدت زينب بنت الحارث إليه شاة- فذكر القصة فيه وقال: يا أم بشر، ما زالت أكلة خيبر التي أكلت مع ابنك تعادني. فهذا أو ان قطعت أبهرى» قلت: من قوله «فلما اطمأن الخ» ليس هو في حديث بريدة، وإنما هو من كلام الطبري. وهو في مغازي ابن إسحاق بهذا اللفظ الأول. وفيه قال ابن إسحاق: فحدثني مروان بن عثمان عن أبى سعيد بن المعلى «أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال لأم بشر- وقد دخلت عليه: يا أم بشر إن هذا لأوان وجدت انقطاع أبهرى- الحديث» وكذا أخرجه الطبراني وأبو نعيم في الدلائل من رواية أبى الأسود عن عروة مختصراً. وذكره الواقدي في المغازي مطولا بغير سند. وذكره ابن سعد في الطبقات عنه بأسانيد وفيه: ورفعها إلى ولاة بشر بن البراء فقتلوها. وروى أبو عبيدة والحربي في غريبهما من حديث أبى جعفر الباقر نحو الأول مرسلا. قال الأصمعى: تعادني من العداد. وهو الشيء الذي يأتى لوقت دون وقت وذكره البخاري تعليقا من رواية عيينة عن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها ووصله البزار والحاكم من هذا الوجه واتفق الشيخان على حديث أنس رضى اللَّه عنه «أن امرأة يهودية أتت النبي صلى اللَّه عليه وسلم بشاة مسمومة» فأكل منها الحديث وفيه: فقال: ما زلت أعرفها في لهوات النبي صلى اللَّه عليه وسلم» وروى أحمد والحاكم من حديث الزهري عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك عن أبيه عن أم بشر قالت «دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في وجعه الذي قبض فيه، فقلت: ما يتهم نفسك، فانى لا أتهم بابى إلا الطعام الذي أكله معك بخيبر. قال: وأنا لا أتهم غيرها. فهذا أو ان انقطع أبهرى» وأخرج البيهقي في الدلائل هذه القصة عن الزهري وفيها قال الزهري: قال جابر: «واحتجم يومئذ على الكاهل وبقي ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفى فيه. قال: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع الأبهر منى» وأخرج أبو داود من رواية الزهري عن جابر كذلك. وروى الطبراني والدارقطني من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن لبيبة عن أبيه عن جده لبيبة الأنصارى رضى اللَّه عنه قال «أهدت يهودية إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم شاة مصلية مسمومة. فأكل منهما هو وبشر ابن البراء بن مصرور. فمرضا مرضا شديداً- فذكر القصة. وفيها: ثم أمر بها فصلبت» وروى معمر عن الزهري أنه قال: أسلمت. فتركها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قال معمر: هكذا قال. والناس يقولون: أنها لم تسلم وإنها قتلت. قال البيهقي: ثم السهيلي: يجمع بينهما بأنه صفح عنها فلم يقتلها، لأنه كان لا ينتقم لنفسه. فلما مات بشر من تلك الأكلة قتلها به قصاصاً.]] غُلْفٌ جمع أغلف، أى هي خلقة وجبلة مغشاة بأغطية لا يتوصل إليها ما جاء به محمد صلى اللَّه عليه وسلم ولا تفقهه، مستعار من الأغلف الذي لم يختن، كقولهم: قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه. ثم ردّ اللَّه أن تكون قلوبهم مخلوقة [[قال محمود رحمه اللَّه: «ثم رد اللَّه أن تكون قلوبهم مخلوقة ... الخ» . قال أحمد رحمه اللَّه: وهذا من نوائب الزمخشري على تنزيل الآيات على عقائدهم الباطلة، وأنى له ذلك في الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ألا تراه كيف أخذ من رد اللَّه على هذه الطائفة أن تكون قلوبهم مخلوقة على الكفر، أن الكفر والامتناع من قبول الحق هم خلقوه لأنفسهم، تمهيداً لقاعدته الفاسدة في خلق الأعمال. وسبيل الرد عليه: أن اللَّه تعالى إنما كذبهم ورد عليهم في ادعائهم عدم الاستطاعة للايمان وسلب التمكن وعللوا ذلك بأن قلوبهم غلف وصدق اللَّه ورسوله في أنه إنما خلقهم على الفطرة والتمكن من الايمان والتأتى والتيسر له. وإنما هم اختاروا الكفر على الايمان فوقع اختيارهم الكفر مقارنا لخلق اللَّه تعالى إياه في قلوبهم بعد ما أنشأهم على الفطرة، بقيام حجة اللَّه تعالى عليهم: بأنه خلقهم متمكنين من الايمان غير مقسورين على الكفر، وذلك لا ينافي توجيه أهل السنة في اعتقاد أن اللَّه تعالى خالق ذلك في قلوبهم على وفق اختيارهم. هذا هو الحق الأبلج والصراط الأبهج واللَّه الموفق. وقول الزمخشري: إن كفرهم إنما خلقوه لأنفسهم بسبب منع ألطاف اللَّه تعالى التي تسبب المؤمنون في حصولها لهم وكانت سبباً في خلقهم الايمان في قلوبهم: كل هذا تستر من الاشراك واعتقاد آلهة غير اللَّه تخلق لنفسها ما شاءت من إيمان وكفر تعالى اللَّه عما يشركون علواً كبيرا-.]] كذلك لأنها خلقت على الفطرة والتمكن من قبول الحق، بأن اللَّه لعنهم وخذلهم بسبب كفرهم، فهم الذين غلفوا قلوبهم بما أحدثوا من الكفر الزائغ عن الفطرة وتسببوا بذلك لمنع الألطاف التي تكون للمتوقع إيمانهم وللمؤمنين فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ فإيمانا قليلا يؤمنون. وما مزيدة، وهو إيمانهم ببعض الكتاب. ويجوز أن تكون القلة بمعنى العدم. وقيل «غلف» تخفيف «غلف» جمع غلاف، أى قلوبنا أوعية للعلم فنحن مستغنون بما عندنا عن غيره. وروى عن أبى عمرو: قلوبنا غلف، بضمتين كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هو القرآن مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ من كتابهم لا يخالفه. وقرئ: مصدّقا، على الحال. فإن قلت: كيف جاز نصبها عن النكرة؟ قلت: إذا وصف النكرة تخصص فصح انتصاب الحال عنه، وقد وصف «كتاب» بقوله «من عند اللَّه» وجواب لما محذوف وهو نحو: كذبوا به، واستهانوا بمجيئه، وما أشبه ذلك يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا يستنصرون على المشركين، إذا قاتلوهم قالوا: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته وصفته في التوراة، ويقولون لأعدائهم من المشركين: قد أظل زمان نبىّ يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم: وقيل معنى (يَسْتَفْتِحُونَ) يفتحون عليهم ويعرفونهم أنّ نبيا يبعث منهم قد قرب أوانه. والسين للمبالغة، أى يسألون أنفسهم الفتح عليهم، كالسين في استعجب واستسخر، أو يسأل بعضهم بعضا أن يفتح عليهم فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا من الحق كَفَرُوا بِهِ بغيا وحسداً وحرصا على الرياسة. عَلَى الْكافِرِينَ أى عليهم وضعا للظاهر موضع المضمر للدلالة على أنّ اللعنة لحقتهم لكفرهم. واللام للعهد. ويجوز أن تكون للجنس ويدخلوا فيه دخولا أوّليا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب