الباحث القرآني

المنّ أن يعتدّ على من أحسن إليه بإحسانه، ويريد أنه اصطنعه وأوجب عليه حقا له: وكانوا يقولون: إذا صنعتم صنيعة فانسوها. ولبعضهم: وَإنّ امْرَأً أَسْدَى إلَىَّ صَنِيعَةً ... وَذَكّرَنِيهَا مَرَّةً لَلئِيمُ [[يقول: وإن رجلا أعطانى عطية وذكرني بها مرة واحدة، للئيم. أى بليغ في اللؤم والخسة.]] وفي نوابغ الكلم: صنوان [[قال محمود: «في نوابغ الكلم صنوان ... الخ» قال أحمد: «ثم» في أصل وضعها تشعر بتراخي المعطوف بها عن المعطوف عليه في الزمان وبعد ما بينهما، والزمخشري يحملها على التفاوت في المراتب والتباعد بينهما، حيث لا يمكنه حملها على التراخي في الزمان لسياق يأبى ذلك كهذه الآية: وحاصله: أنها استعيرت من تباعد الأزمنة لتباعد المرتبة، وعندي فيها وجه آخر محتمل في هذه الآية ونحوها: وهو الدلالة على دوام الفعل المعطوف بها وإرخاء الطول في استصحابه، فهي على هذا لم تخرج عن الاشعار ببعد الزمن. ولكن معناها الأصلى تراخى زمن وقوع الفعل وحدوثه، ومعناها المستعارة إليه دوام وجود الفعل وتراخى زمن بقائه وعليه حمل قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَقامُوا) أى داموا على الاستقامة دواما متراخيا ممتد الأمد، وتلك الاستقامة هي المعتبرة، لا ما هو منقطع إلى ضده من الحيد إلى الهوى والشهوات. وكذلك قوله: (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً) أى يدومون على تناسى الإحسان وعلى ترك الاعتداد به والامتنان، ليسوا بتاركيه في أزمنة إلى الاذاية وتقليد المنن بسببه، ثم يتوبون، واللَّه أعلم. وقريب من هذا أو مثله أن السين يصحب الفعل لتنفيس زمان وقوعه وتراخيه، ثم ورد قوله تعالى حكاية عن الخليل عليه السلام: (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) . وقد حكى اللَّه تعالى في مثل هذه الآية (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) فليس إلى حمل السين على تراخى زمان وقوع الهداية له من سبيل، فيتعين المصير إلى حملها على تنفس دوام الهداية الحاصلة له وتراخى بقائها وتمادى أمدها. ولعل الزمخشري وأشار إلى هذا المعنى في آية إبراهيم عليه السلام، فأمل هذا الوجه فهو أوجه مما حمل الزمخشري عليه آية البقرة. وهذه الآية أبقى على الحقيقة وأقرب إلى الوضع على أحسن طريقة واللَّه الموفق.]] من منح سائله ومنّ، ومن منع نائله وضنّ. وفيها: طعم الآلاء [[قوله «وفيها طعم الآلاء» في الصحاح: الآلاء النعم، واحدها «ألا» بالفتح. وفيه أيضا: الألاء- بالفتح- شجر حسن المنظر مر الطعم اه. واسم النعم على زنة أسباب. والظاهر أن اسم الشجر على زنة سحاب، فليحرر ما في النوابغ. (ع)]] أحلى من المنّ وهي أمرّ من الآلاء مع المنّ. والأذى: أن يتطاول عليه بسبب ما أزال إليه: ومعنى «ثم» إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المنّ والأذى، وأنّ تركهما خير من نفس الإنفاق، كما جعل الاستقامة على الإيمان خيراً من الدخول فيه بقوله: (ثُمَّ اسْتَقامُوا) . فإن قلت: أىّ فرق بين قوله: لَهُمْ أَجْرُهُمْ وقوله فيما بعد: (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) ؟ قلت: الموصول لم يضمن هاهنا معنى الشرط. وضمنه ثمة. والفرق بينهما من جهة المعنى أنّ الفاء فيها دلالة على أنّ الإنفاق به استحق الأجر، وطرحها عار عن تلك الدلالة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب