لِمَساكِينَ قيل كانت لعشرة إخوة، خمسة منهم زمنى، وخمسة يعملون في البحر وَراءَهُمْ أمامهم، كقوله تعالى وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ وقيل: خلفهم، وكان طريقهم في رجوعهم عليه وما كان عندهم خبره، فأعلم الله به الخضر وهو «جلندى» [[قوله «وهو جلندى» : في الخازن: وكان اسمه الجلندى الأزدى، وكان كافرا. وقيل: كان اسمه حرد ابن برد. (ع)]] . فإن قلت: قوله فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها مسبب عن خوف الغصب عليها فكان حقه أن يتأخر عن السبب [[قال محمود: «إن قلت قوله فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها مسبب عن خوف الغصب عليها ... الخ» قال أحمد: وكأنه جعل السبب في إعابتها كونها لمساكين، ثم بين مناسبة هذا السبب للمسبب بذكر عادة الملك في غصب السفن، وهذا هو حد الترتيب في التعليل أن يرتب الحكم على السبب ثم يوضح المناسبة فيما بعد، فلا يحتاج إلى جعله مقدما والنية تأخيره، والله أعلم. ولقد تأملت من فصاحة هذه الآي والمخالفة بينها في الأسلوب عجبا. ألا تراه في الأولى أسند الفعل إلى ضميره خاصة بقوله فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وأسنده في الثانية إلى ضمير الجماعة والمعظم نفسه في قوله فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما وفَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما ولعل إسناد الأول إلى نفسه خاصة من باب الأدب مع الله تعالى، لأن المراد ثم عيب، فتأدب ثم نسب الاعابة إلى نفسه. وإما إسناد الثاني إلى الضمير المذكور، فالظاهر أنه من باب قول خواص الملك: أمرنا بكذا، أو دبرنا كذا، وإنما يعنون أمر الملك ودبر، ويدل على ذلك قوله في الثالثة فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما فانظر كيف تغايرت هذه الأساليب ولم تأت على نمط واحد مكرر يمجها السمع وينبو عنها، ثم انطوت هذه المخالفة على رعاية الأسرار المذكورة، فسبحان اللطيف الخبير.]] ، فلم قدّم عليه؟ قلت:
النية به التأخير، وإنما قدم للعناية، ولأنّ خوف الغصب ليس هو السبب وحده، ولكن مع كونها للمساكين، فكان بمنزلة قولك: زيد ظنى مقيم. وقيل في قراءة أبىّ وعبد الله: كل سفينة صالحة.
{"ayah":"أَمَّا ٱلسَّفِینَةُ فَكَانَتۡ لِمَسَـٰكِینَ یَعۡمَلُونَ فِی ٱلۡبَحۡرِ فَأَرَدتُّ أَنۡ أَعِیبَهَا وَكَانَ وَرَاۤءَهُم مَّلِكࣱ یَأۡخُذُ كُلَّ سَفِینَةٍ غَصۡبࣰا"}