الباحث القرآني

أَيُّ يتضمن معنى الاستفهام، فعلق عنه لِنَعْلَمَ فلم يعمل فيه. وقرئ، ليعلم، وهو معلق عنه أيضا، لأن ارتفاعه بالابتداء لا بإسناد «يعلم» إليه، وفاعل «يعلم» مضمون الجملة، كما أنه مفعول «نعلم» أَيُّ الْحِزْبَيْنِ المختلفين منهم في مدّة لبثهم، لأنهم لما انتبهوا اختلفوا في ذلك، وذلك قوله قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ وكان الذين قالوا ربكم أعلم بما لبثتم: هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول. أو أى الحزبين المختلفين من غيرهم، وأَحْصى فعل ماض أى أيهم ضبط [[قال محمود «أحصى فعل ماض، أى: لنعلم أيهم ضبط أمدا ... الخ» قال أحمد: وقد جعل بعض النحاة بناء افعل من المزيد فيه الهمز قياسا، وادعى ذلك مذهبا لسيبويه، وعلله يأن بناءه منه لا يغير نظم الكلمة، وإنما هو تعويض همزة بهمزة.]] أَمَداً لأوقات لبثهم. فإن قلت: فما تقول فيمن جعله من أفعل التفضيل؟ قلت: ليس بالوجه السديد، وذلك أن بناءه من غير الثلاثي المجرّد ليس بقياس، ونحو «أعدى من الجرب» ، و «أفلس من ابن المذلق» شاذ. والقياس على الشاذ في غير القرآن ممتنع، فكيف به؟ ولأن أَمَداً لا يخلو: إما أن ينتصب بأفعل [[عاد كلامه. قال: وأيضا فلو كان للتفضيل لم يخل انتصاب أمدا إما بأفعل ... الخ» قال أحمد: ولقائل أن ينصبه على التمييز، كانتصاب العدد تمييزا في قوله تعالى أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً ويعضد حمله على أفعل التفضيل وروده في نظير الواقعة واختلاف الأحزاب في مقدار اللبث، وذلك في قوله تعالى إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً فأمثلهم طريقة: هو أحصاهم لما لبثوا عددا. وكلا الوجهين جائز، والله أعلم.]] فأفعل لا يعمل. وإما أن ينصب بلبثوا، فلا يسدّ عليه المعنى. فإن زعمت أنى أنصبه بإضمار فعل يدل عليه أحصى، كما أضمر في قوله: وأضرب منّا بالسّيوف القوانسا [[فلم أر مثل الحي حيا مصبحا ... ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا أكر وأحمي للحقيقة منهم ... وأضرب منا بالسيوف القوانسا إذا ما شددنا شدة نصبوا لنا ... صدور المذاكي والرماح المداعسا إذا الخيل حالت عن صريع نكرها ... عليهم فما يرجعن إلا عوابسا للعباس بن مرداس السلمى، والحي بنو زبيد من اليمن. وأكر: أشد كرا. وأحمى: أشد حماية. والحقيقة: ما يستحق الذب عنه من عرض ومال. والقوانس: جمع قونس، وهو أعلى بيضة الفارس وأعلى رأس الفرس. والمذاكي: الخيل العناق العتاق التي أتى عليها بعد قروحها سنة، جمع المذاكي اسم مفعول. والمداعس: الرماح الصم التي يطعن بها. والدعس بالتحريك الأثر، والمداعسة المطاعنة. والمدعس: الرمح الأصم الذي يطعن به. ويروى: جالت، بدل حالت أى: مالت إلى جول بالجيم أى ناحية. وأما الحول بالحاء فهو التحول. والصريع: الطريح على الأرض، ونكرها: نرجعها، والعوابس: كالحات الوجوه من الجري في الغبار. وحيا مصبحا، أى: مأتيا في الصباح مفعول. ومثل الحي: حال، على أن رأى بصرية. أو مفعول ثان، على أنها علمية، وأكر: بدل من حيا، ولا يصح جعله صفة أو مفعول ثان، لأنك لو قلت: ما رأيت مثل زيد رجلا أفضل منه لم يستقم المعنى إلا على البدلية، لأن المماثلة تنافى المفاضلة، إلا أن تكون المماثلة في صفة والمفاضلة في أخرى، فلا مانع منه حينئذ. وأضرب: أفعل تفضيل، بدل من فوارس على ما تقدم، فهو لف ونشر مرتب. وأفعل التفضيل لا يعمل النصب في المفعول به، بل حكى الإجماع على ذلك، فالقوانس نصب بمحذوف، أى: يضرب القوانس أى الرؤوس، لكن قال محمد بن مسعود في كتابه البديع: غلط من قال: إن اسم التفضيل لا ينصب المفعول به، واستشهد بهذا البيت وغيره. وبين مدح الفريقين بقوله: إذا شددنا عليهم مرة قابلونا بالخيل العتاق والرماح الجيدة، فهم شجعان. وبقوله: إذا مالت خيلنا أو تحولت عن قتيل منا، نرجعها عليهم لأجل الثأر، فما ترجع إلا كوالح، فنحن أشجع منهم.]] على: نضرب القوانس، فقد أبعدت المتناول وهو قريب، حيث أبيت أن يكون أحصى فعلا، ثم رجعت مضطرا إلى تقديره وإضماره. فإن قلت: كيف جعل الله تعالى العلم بإحصائهم المدّة غرضا في الضرب على آذانهم؟ قلت: الله عز وجل لم يزل عالما بذلك، وإنما أراد ما تعلق به العلم من ظهور الأمر لهم، ليزدادوا إيمانا واعتبارا، ويكون لطفا لمؤمنى زمانهم، وآية بينة لكفارة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب