الباحث القرآني

وَإِذا أَرَدْنا وإذا دنا وقت إهلاك قوم ولم يبق من زمان إمهالهم إلا قليل، أمرناهم [[قوله «أمرناهم ففسقوا» في النسفي: أمرنا مترفيها: متنعميها وجبابرتها. (ع)]] فَفَسَقُوا أى أمرناهم بالفسق ففعلوا، والأمر مجاز، لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم: افسقوا، وهذا لا يكون فبقى أن يكون مجازاً [[قال محمود: «حقيقة أمرهم أن يقول لهم: افسقوا. ولا يكون هذا، فقى أن يكون مجازا ... الخ» قال أحمد: نص حسن إلا قوله أنهم خولوا النعم ليشكروا، فانه فرعه، على قاعدة وجوب إرادة الله تعالى للطاعة. والحق أنهم خولوها وأمروا بالشكر، ففسقوا وكفروا على خلاف الأمر، والأمر غير الارادة على قاعدة أهل الحق، والله الموفق.]] ، ووجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صباً، فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات، فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إيلاء النعمة فيه، وإنما خولهم إياها ليشكروا ويعملوا فيها الخير ويتمكنوا من الإحسان والبرّ، كما خلقهم أصحاء أقوياء، وأقدرهم على الخير والشرّ، وطلب منهم إيثار الطاعة على المعصية فآثروا الفسوق، فلما فسقوا حق عليهم القول وهو كلمة العذاب فدمّرهم. فإن قلت: هلا زعمت أن معناه أمرناهم بالطاعة ففسقوا؟ قلت: لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز، فكيف يحذف ما الدليل قائم على نقيضه، وذلك أن المأمور به إنما حذف لأن فسقوا يدل عليه، وهو كلام مستفيض. يقال: أمرته فقام، وأمرته فقرأ لا يفهم منه إلا أن المأمور به قيام أو قراءة، ولو ذهبت تقدّر غيره فقد رمت من مخاطبك علم الغيب، ولا يلزم على هذا قولهم: أمرته فعصاني، أو فلم يمتثل أمرى. لأنّ ذلك مناف للأمر مناقض له، ولا يكون ما يناقض الأمر مأموراً به، فكان محالا أن يقصد أصلا حتى يجعل دالا على المأمور به، فكان المأمور به في هذا الكلام غير مدلول عليه ولا منوي، لأن من يتكلم بهذا الكلام فإنه لا ينوى لأمره مأموراً به، وكأنه يقول: كان منى أمر فلم تكن منه طاعة، كما أن من يقول: فلان يعطى ويمنع، ويأمر وينهى، غير قاصد إلى مفعول. فإن قلت: هلا كان ثبوت العلم بأن الله لا يأمر بالفحشاء وإنما يأمر بالقصد والخير، دليلا على أن المراد أمرناهم بالخير ففسقوا؟ قلت: لا يصحّ ذلك، لأن قوله فَفَسَقُوا يدافعه، فكأنك أظهرت شيئاً وأنت تدعى إضمار خلافه، فكان صرف الأمر إلى المجاز هو الوجه، ونظير «أمر» شاء: في أن مفعوله استفاض فيه الحذف، لدلالة ما بعده عليه، تقول: لو شاء لأحسن إليك، ولو شاء لأساء إليك. تريد: لو شاء الإحسان ولو شاء الإساءة، فلو ذهبت تضمر خلاف ما أظهرت- وقلت: قد دلت حال من أسندت إليه المشيئة أنه من أهل الإحسان أو من أهل الاساءة، فاترك الظاهر المنطوق به وأضمر ما دلت عليه حال صاحب المشيئة- لم تكن على سداد. وقد فسر بعضهم أَمَرْنا بكثرنا، وجعل أمرته فأمر من باب فعلته ففعل. كثبرته فثبر. وفي الحديث: «خير المالك سكة [[قوله «كثبرته فثبر، وفي الحديث خير المال سكة مأبورة» في الصحاح «ثبرته» أى حبسته. وفيه «السكة» الطريقة من النخل. وفيه «أبر نخله» أى لقحه وأصلحه. (ع)]] مأبورة ومهرة مأمورة [[أخرجه حميد وإسحاق وابن أبى شيبة والحرث والطبراني وأبو عبيد من رواية مسلم بن بديل عن إياس بن زهير عن سويد بن هبيرة عن النبي ﷺ قال «خير مال المرء ميرة مأمورة أو سكة مأثورة. قال ابن إسحاق ومعه النضر بن شميل وغيره يرفعه.]] » أى كثيرة النتاج. وروى أن رجلا من المشركين قال لرسول الله ﷺ: إنى أرى أمرك هذا حقيراً، فقال ﷺ: إنه سيأمر [[لم أجده.]] . أى سيكثر وسيكبر.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب