الباحث القرآني

مَنْ كَفَرَ بدل من الذين لا يؤمنون بآيات الله، على أن يجعل وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ اعتراضاً بين البدل والمبدل منه. والمعنى: إنما يفترى الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه. واستثنى منهم المكره فلم يدخل تحت حكم الافتراء، ثم قال وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً أى طاب به نفسا واعتقده فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ويجوز أن يكون بدلا من المبتدإ الذي هو أُولئِكَ على: ومن كفر بالله من بعد إيمانه هم الكاذبون. أو من الخبر الذي هو الكاذبون، على: وأولئك هم من كفر بالله من بعد إيمانه. ويجوز أن ينتصب على الذمّ. وقد جوّزوا أن يكون مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ شرطاً مبتدأ، ويحذف جوابه، لأنّ جواب مَنْ شَرَحَ دال عليه، كأنه قيل: من كفر بالله فعليهم غضب، إلا من أكره، ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب. روى أنّ ناساً من أهل مكة فتنوا فارتدوا عن الإسلام بعد دخولهم فيه، وكان فيهم من أكره فأجرى كلمة الكفر على لسانه وهو معتقد للإيمان، منهم عمار، وأبواه- ياسر وسمية- وصهيب، وبلال، وخباب، وسالم: عذبوا، فأمّا سمية فقد ربطت بين بعيرين وو جيء في قبلها بحربة، وقالوا: إنك أسلمت من أجل الرجال فقتلت، وقتل ياسر وهما أول قتيلين في الإسلام، وأما عمار فقد أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها، فقيل يا رسول الله، إن عماراً كفر، فقال: «كلا، إنّ عماراً مليء إيماناً من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه» فأتى عمار رسول الله ﷺ وهو يبكى، فجعل النبي ﷺ يمسح عينيه، وقال: «مالك! إن عادوا لك فعد لهم بما قلت» ومنهم جبر مولى الحضرمي، أكرهه سيده فكفر ثم أسلم مولاه وأسلم، وحسن إسلامهما، وهاجرا [[هكذا أورده الثعلبي عن ابن عباس بغير سند. وروى الحاكم من حديث زر عن ابن مسعود قال: «أول من أظهر إسلامه سبعة: فذكرهم إلى أن قال: فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد- الحديث» ورواه ابن سعد من طريق منصور عن مجاهد قال «أول من أظهر فذكر مثله- وزاد فجاء أبو جهل يشتم سمية ويرفث ثم طعنها فقتلها. فهي أول شهيد في الإسلام. قلت قوله ﷺ «إن عماراً مليء إيمانا» رواه [بياض في الأصلين] وقوله «اختلط الايمان بلحمه ودمه» رواه [بياض في الأصلين] وقوله «إن عادوا لك فعد لهم» رواه [بياض في الأصلين]]] . فإن قلت: أى الأمرين أفضل، أفعل عمار أم فعل أبويه؟ قلت: بل فعل أبويه، لأنّ في ترك التقية والصبر على القتل إعزازاً للإسلام. وقد روى أنّ مسيلمة أخذ رجلين فقال لأحدهما: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله. قال: فما تقول فىّ؟ قال أنت أيضاً، فخلاه. وقال للآخر: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله. قال: فما تقول فىّ؟ قال أنا أصمّ. فأعاد عليه ثلاثاً، فأعاد جوابه، فقتله، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال: «أما الأوّل فقد أخذ برخصة الله. وأمّا الثاني فقد صدع بالحق فهنيئاً له [[أخرجه ابن أبى شيبة قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن يونس عن الحسن «أن عيونا لمسيلمة أخذوا رجلين من المسلمين فأتوه بهما فقال لأحدهما: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم. قال: أتشهد أنى رسول الله؟ فأهوى إلى أذنيه وقال: إنى أصم، فأعاد عليه، فقال مثله، فأمر بقتله. وقال للآخر: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم. قال: أتشهد أنى رسول الله؟ قال: نعم، فأرسله. فأتى النبي ﷺ فقال: هلكت. فقال: وما شأنك؟ فأخبره بقصته وقصة صاحبه فقال أما صاحبك فمضى على إيمانه. وأما أنت فأخذت بالرخصة. وأخرجه عبد الرزاق في التفسير عن معمر قال: سمعت أن مسيلمة أخذ رجلين فذكره بنحوه. وذكر الواحدي في المغازي أن اسم المقتول: حبيب بن زيد عم عباد بن تميم، واسم الآخر: عبد الله بن وهب الأسلمي. قال: وكان في الساقة. وذكروا أنه قطعه عضواً عضواً وأحرقه بالنار.]] » ذلِكَ إشارة إلى الوعيد، وأنّ الغضب والعذاب يلحقانهم بسبب استحبابهم الدنيا على الآخرة، واستحقاقهم خذلان الله بكفرهم وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ الكاملون في الغفلة، الذين لا أحد أغفل منهم، لأنّ الغفلة عن تدبر العواقب هي غاية الغفلة ومنتهاها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب