دَعْوَةُ الْحَقِّ فيه وجهان، أحدهما: أن تضاف الدعوة إلى الحق [[قال محمود: «فيه وجهان: أحدهما أن تضاف الدعوة إلى الحق ... الخ» قال أحمد: دس تحت تأويل الأول نبذة من الاعتزال على وجه الاختزال. فحجر واسعاً من لطف الله واستجابته أدعية عباده، وحتم رعاية المصالح، وجعل معنى إضافة الدعوة إلى الحق التباسها بالمصلحة، وقد انكشف الغطاء وتبين أن الله تعالى لا تعلل أفعاله ولا تقف استجابته على الشرط المذكور، وغرضنا إيقاظ المطالع لهذه المواضع من غفلة يتحيز بها إلى بدعة وضلالة، والله الموفق.]] الذي هو نقيض الباطل، كما تضاف الكلمة إليه في قولك: كلمة الحق، للدلالة على أن الدعوة ملابسة للحق مختصة به، وأنها بمعزل من الباطل. والمعنى أن الله سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة، ويعطى الداعي سؤاله إن كان مصلحة له، فكانت دعوة ملابسة للحق، لكونه حقيقاً بأن يوجه إليه الدعاء، لما في دعوته من الجدوى والنفع، بخلاف ما لا ينفع ولا يجدى دعاؤه. والثاني: أن تضاف إلى الحق الذي هو الله عز وعلا، على معنى: دعوة المدعوّ الحق الذي يسمع فيجيب.
وعن الحسن: الحق هو الله، وكلّ دعاء إليه دعوة الحق. فإن قلت: ما وجه اتصال هذين الوصفين بما قبله [[قوله «اتصال هذين الوصفين بما قبله» عبارة النسفي: واتصال شَدِيدُ الْمِحالِ ولَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ بما قبله. (ع)]] ؟ قلت. أما على قصة أربد فظاهر، لأن إصابته بالصاعقة محال من الله ومكر به من حيث لم يشعر. وقد دعا رسول الله ﷺ عليه وعلى صاحبه بقوله: اللهمّ اخسفهما بما شئت، فأجيب فيهما [[ذكره الواحدي في الأسباب عن ابن عباس في القصة المذكورة. ولم أره فيها في الطريقين المتقدمين من رواية الكلبي وغيره.]] ، فكانت الدعوة دعوة حق. وأما على الأوّل فوعيد للكفرة على مجادلتهم رسول الله بحلول محاله بهم، وإجابة دعوة رسول الله ﷺ أن دعا عليهم فيهم وَالَّذِينَ يَدْعُونَ والآلهة الذين يدعوهم الكفار مِنْ دون الله لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ من طلباتهم إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه، أى كاستجابة الماء من بسط كفيه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه، والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته إليه، ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه، وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم. وقيل: شبهوا في قلة جدوى دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه، فبسطهما ناشراً أصابعه، فلم تلق كفاه منه شيئاً ولم يبلغ طلبته من شربه.
وقرئ: تدعون، بالتاء. كباسط كفيه، بالتنوين إِلَّا فِي ضَلالٍ إلا في ضياع لا منفعة فيه، لأنهم إن دعوا الله لم يجبهم، وإن دعوا الآلهة لم تستطع إجابتهم.
{"ayah":"لَهُۥ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّۚ وَٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا یَسۡتَجِیبُونَ لَهُم بِشَیۡءٍ إِلَّا كَبَـٰسِطِ كَفَّیۡهِ إِلَى ٱلۡمَاۤءِ لِیَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَـٰلِغِهِۦۚ وَمَا دُعَاۤءُ ٱلۡكَـٰفِرِینَ إِلَّا فِی ضَلَـٰلࣲ"}