الباحث القرآني

مكية، وقيل مدنية، وآياتها 5 «نزلت بعد الفيل» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الفلق والفرق: الصبح، لأن الليل يفلق عنه ويفرق: فعل بمعنى مفعول. يقال في المثل: هو أبين من فلق الصبح، ومن فرق الصبح. ومنه قولهم: سطع الفرقان، إذا طلع الفجر. وقيل: هو كل ما يفلقه الله، كالأرض عن النبات، والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر، والأرحام عن الأولاد، والحب والنوى وغير ذلك. وقيل: هو واد في جهنم أوجب فيها من قولهم لما اطمأن من الأرض: الفلق. والجمع: فلقان. وعن بعض الصحابة أنه قدم الشأم فرأى دور أهل الذمّة وما هم فيه من خفض العيش وما وسع عليهم من دنياهم، فقال: لا أبالى، أليس من ورائهم الفلق؟ فقيل: وما الفلق؟ قال: بيت في جهنم إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدّة حرّه مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ من شر خلقه. وشرهم [[قوله «من شر خلقه وشرهم» لعله وشره، أى: شر خلقه حيوانا أو مواتا. (ع)]] : ما يفعله المكلفون [[قال محمود: «معناه من شر خلقه» أى من شر ما يفعله المكلفون ... الخ» قال أحمد: لا يسعه على قاعدته الفاسدة التي هي من جملة ما يدخل تحت هذه الاستعاذة إلا صرف الشر إلى ما يعتقده خالقا لأفعاله، أو لما هو غير فاعل له البتة كالموات: وأما صرف الاستعاذة إلى ما يفعله الله تعالى بعباده من أنواع المحن والبلايا وغير ذلك، فلا، لأنه يعتقد أن الله لا يخلق أفعال الحيوانات، وإنما هم يخلقونها لأنها شر، والله تعالى لا يخلقه لقبحه: كل ذلك تفريع على قاعدة الصلاح والأصلح التي وضح فسادها، حتى حرف بعض القدرية الآية، فقرأ: من شر ما خلق بتنوين شر وجعل ما نافية.]] من الحيوان من المعاصي والمآثم، ومضارّة بعضهم بعضا من ظلم وبغى وقتل وضرب وشتم وغير ذلك، وما يفعله غير المكلفين منه عن الأكل والنهس واللدغ والعض كالسباع والحشرات، وما وضعه الله في الموات من أنواع الضرر كالإحراق في النار والقتل في السم. والغاسق: الليل إذا اعتكر ظلامه من قوله تعالى إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ومنه: غسقت العين امتلأت دمعا، وغسقت الجراحة امتلأت دما. ووقوبه: دخول ظلامه في كل شيء. ويقال: وقبت الشمس إذا غابت. وفي الحديث: لما رأى الشمس قد وقبت قال: هذا حين حلها، يعنى صلاة المغرب [[أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث من طريق عبيد الله بن عقبة مرسلا.]] . وقيل: هو القمر إذا امتلأ، وعن عائشة رضى الله عنها: أخذ رسول الله ﷺ بيدي فأشار إلى القمر فقال: تعوّذى بالله من شر هذا، فإنه الغاسق إذا وقب [[أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم وأحمد وإسحاق وابن أبى شيبة وأبو يعلى كلهم من طريق ابن أبى ذئب عن خالد الحرث بن عبد الرحمن عن أبى سلمة عنها.]] . ووقوبه: دخوله في الكسوف واسوداده. ويجوز أن يراد بالغاسق: الأسود من الحيات: ووقبه: ضربه ونقبه. والوقب: النقب. ومنه: وقبة الثريد، والتعوّذ من شر الليل لأن انبثاثه فيه أكثر، والتحرّز منه أصعب. ومنه قولهم: الليل أخفى للويل. وقولهم: أغدر الليل، لأنه إذا أظلم كثر فيه الغدر وأسند الشر إليه لملابسته له من حدوثه فيه النَّفَّاثاتِ النساء، أو النفوس، أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها [[قال محمود: «هن السواحر اللاتي يعقدن الخيوط وينفثن عليها ... الخ» قال أحمد: وقد تقدم أن قاعدة القدرية إنكار حقيقة السحر، على أن الكتاب والسنة قد وردا بوقوعه والأمر بالتعوذ منه. وقد سحر ﷺ في مشط ومشاطة في جف طلعة ذكر. والحديث مشهور، وإنما الزمخشري استفزه الهوى حتى أنكر ما عرف، وما به إلا أن يتبع اعتزاله ويغطى بكفه وجه الغزالة»]] ويرقين: والنفث النفخ من ريق، ولا تأثير لذلك [[قوله «ولا تأثير لذلك» مبنى على مذهب المعتزلة من أنه لا حقيقة للسحر ولا تأثير له. وذهب أهل السنة إلى إثباته وإثبات تأثيره لظاهر الكتاب والسنة. (ع)]] ، اللهم إلا إذا كان ثم إطعام شيء ضار، أو سقيه، أو إشمامه. أو مباشرة المسحور به على بعض الوجوه، ولكنّ الله عز وجل قد يفعل عند ذلك فعلا على سبيل الامتحان الذي يتميز به الثبت على الحق من الحشوية والجهلة من العوام، فينسبه الحشو والرعاع [[قوله «فينسب الحشوية والرعاع» في الصحاح «الرعاع» : الأحداث الطغام. وفيه «الطغام» : أو غاد الناس وفيه «الوغد» : الرجل الدنى. الذي يخدم بطعام بطنه. (ع)]] إليهنّ وإلى نفثهن، والثابتون بالقول الثابت لا يلتفتون إلى ذلك ولا يعبئون به. فإن قلت: فما معنى الاستعاذة من شرهن [[قال محمود: «فان قلت: ما معنى الاستعاذة من شرهن، وأجاب ... الخ» قال أحمد: وهذا من الطراز الأول قعد عنه جانبا، ولو فسر غيره التفاثات في العقد بالمتخيلات من النساء ولسن ساحرات حتى يتمم إنكار وجود السحر: لعده من يدع التفاسير.]] ؟ قلت: فيها ثلاثة أوجه، أحدها: أن يستعاذ من عملهن الذي هو صنعة السحر ومن إثمهنّ في ذلك. والثاني: أن يستعاذ من فتنتهن الناس بسحرهن وما يخدعنهم به من باطلهن. والثالث: أن يستعاذ مما يصيب الله به من الشر عند نفثهن، ويجوز أن يراد بهن النساء الكيادات، من قوله إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ تشبيها لكيدهن بالسحر والنفث في العقد. أو اللاتي يفتن الرجال بتعرّضهن لهم وعرضهن محاسنهن، كأنهن يسحرنهم بذلك إِذا حَسَدَ إذا ظهر حسده وعمل بمقتضاه: من بغى الغوائل للمحسود، لأنه إذا لم يظهر أثر ما أضمره فلا ضرر يعود منه على من حسده، بل هو الضارّ لنفسه لاغتمامه بسرور غيره. وعن عمر بن عبد العزيز: لم أر ظالما أشبه بالمظلوم من حاسد. ويجوز أن يراد بشر الحاسد: إثمه وسماجة حاله في وقت حسده، وإظهاره أثره. فإن قلت: قوله مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ تعميم في كل ما يستعاذ منه، فما معنى الاستعاذة بعده من الغاسق والنفاثات والحاسد؟ قلت: قد خص شر هؤلاء من كل شر لخفاء أمره، وأنه يلحق الإنسان من حيث لا يعلم، كأنما يغتال به. وقالوا: شر العداة المداجى الذي يكيدك من حيث لا تشعر. فإن قلت: فلم عرف بعض المستعاذ منه ونكر بعضه؟ قلت: عرفت النفاثات، لأن كل نفاثة شريرة، ونكر غاسق، لأنّ كل غاسق لا يكون فيه الشر، إنما يكون في بعض دون بعض، وكذلك كل حاسد لا يضرّ. ورب حسد محمود، وهو الحسد في الخيرات. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «لا حسد إلا في اثنتين [[متفق عليه من حديث ابن مسعود، ومن حديث ابن عمر رضى الله عنهما والبخاري من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.]] » وقال أبو تمام: وما حاسد في المكرمات بحاسد [[وإنى لمحسود وأعذر حاسدي ... وما حاسدي في المكرمات بحاسد لأبى تمام. يقول: إنى جامع للخصال الحميدة، فالحسد كناية عن ذلك. وعذر يعذر كضرب يضرب، أى: أن حاسدي معذور لحسن صفاتي وعظمها، وليس الحاسد في الخصال الحميدة بحاسد مذموم، بل مغتبط ممدوح.]] وقال: إنّ العلا حسن في مثلها الحسد [[فافخر فما من سماء للعلا ارتفعت ... إلا وأفعالك الحسنى لها عمد واعذر حسودك فيما قد خصصت به ... إن العلا حسن في مثلها الحسد لأبى تمام. وشبه القدر المرتفع بالسماء، واستعارها له على طريق التصريح، والارتفاع ترشيح، لأنه خاص بالمحسوسات وشبه الأفعال الجميلة بأعمدة السماء تشبيها بليغا، لأن بها الارتفاع المعنوي.]] عن رسول الله ﷺ: «من قرأ المعوّذتين فكأنما قرأ الكتب التي أنزلها الله تعالى كلها» [[أخرجه الثعلبي وابن مردويه والواحدي بأسانيدهم إلى أبى بن كعب، وقد مضى غير مرة أنها واهنة، وأن الحديث المرفوع في ذلك موضوع، والله أعلم.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب