الباحث القرآني

كان شعيب عليه السلام كثير الصلوات، وكان قومه إذا رأوه يصلى تغامزوا وتضاحكوا، فقصدوا بقولهم أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ السخرية والهزء- والصلاة وإن جاز أن تكون آمرة على طريق المجاز، كما كانت ناهية في قوله إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وأن يقال: إنّ الصلاة تأمر بالجميل والمعروف، كما يقال: تدعو إليه وتبعث عليه- إلا أنهم ساقوا الكلام مساق الطنز [[قوله «مساق الطنز» في الصحاح: الطنز السخرية. وطنز يطنز فهو طناز، وأظنه مولداً أو معربا اه. (ع)]] وجعلوا الصلاة آمرة على سبيل التهكم بصلاته، وأرادوا أنّ هذا الذي تأمر به من ترك عبادة الأوثان باطل لا وجه لصحته، وأنّ مثله لا يدعوك إليه داعى عقل، ولا يأمرك به آمر فطنة، فلم يبق إلا أن يأمرك به آمر هذيان ووسوسة شيطان، وهو صلواتك التي تداوم عليها في ليلك ونهارك، وعندهم أنها من باب الجنون ومما يتولع به المجانين والموسوسون من بعض الأقوال والأفعال. ومعنى تأمرك أَنْ نَتْرُكَ تأمرك بتكليف أن نترك [[قال محمود: «معناه تأمرك بتكليف أن نترك ما يعبد آباؤنا إلى قوله بتاء الخطاب فيهما» قال أحمد: فعلى هذه القراءة يكون أَنْ نَفْعَلَ معطوفا على أن نترك، وعلى المشهور: لا يجوز ذلك والله أعلم لاستحالة المعنى، فيتعين العطف فيها على ما يَعْبُدُ كأنهم قالوا: أصلواتك تأمرك أن نترك عبادة آبائنا أو معبود آبائنا، على أنها مصدرية أو موصولة، ثم قالوا: أو أن نفعل، أى أو أن نترك فعلنا في أموالنا ما نشاء، هذه لطيفة فتنبه لها، ولا حاجة إلى إضمار الزمخشري لمضاف تقديره: تأمرك بتكليف أن نترك، واحتجاجه لذلك بأن الإنسان لا يؤمر بفعل غيره إذاً والمسألة فرع من فروع خلق الأفعال، ومع ذلك كله فتقدير المضاف في الآية متوجه ليس بناء على القراءة المذكورة، ولكن لأن عرف التخاطب في مثله يقتضى ذلك، والله أعلم.]] ما يَعْبُدُ آباؤُنا لحذف المضاف الذي هو التكليف، لأنّ الإنسان لا يؤمر بفعل غيره. وقرئ أَصَلاتُكَ بالتوحيد. وقرأ ابن أبى عبلة: أو أن تفعل في أموالنا ما تشاء، بتاء الخطاب فيهما، وهو ما كان يأمرهم به من ترك التطفيف والبخس، والاقتناع بالحلال القليل من الحرام الكثير. وقيل: كان ينهاهم عن حذف الدراهم [[قوله «عن حذف الدراهم» الذي في الصحاح: حذفت من شعري ومن ذنب الدابة، أى: أخذت اه (ع)]] والدنانير وتقطيمها، وأرادوا بقولهم إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ نسبته إلى غاية السفه والغىّ، فعكسوا ليتهكموا به، كما يتهكم بالشحيح الذي لا يبضّ حجره [[قوله «لا يبض حجره» في الصحاح: بض الماء بضيضاً: سال قليلا قليلا. وفي المثل: ما يبض حجره، أى ما تندى صفاته. (ع)]] فيقال له: لو أبصرك حاتم لسجد لك. وقيل: معناه إنك للمتواصف بالحلم والرشد في قومك، يعنون أنّ ما تأمر به لا يطابق حالك وما شهرت به.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب