الباحث القرآني
إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ يريد: بثروة واسعة تغنيكم عن التطفيف. أو أراكم بنعمة من الله حقها أن تقابل بغير ما تفعلون. أو أراكم بخير فلا تزيلوه عنكم بما أنتم عليه، كقول مؤمن آل فرعون يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا يَوْمٍ مُحِيطٍ مهلك من قوله وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ وأصله من إحاطة العدوّ. فإن قلت: وصف العذاب بالإحاطة أبلغ، أم وصف اليوم بها؟ قلت: بل وصف اليوم بها، لأن اليوم زمان يشتمل على الحوادث، فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذب ما اشتمل عليه منه كما إذا أحاط بنعيمه. فإن قلت: النهى عن النقصان أمر بالإيفاء [[قال محمود: «إن قلت النهى عن النقصان أمر بالإيفاء ... الخ» قال أحمد: ولمن قال إن الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضده أن يستدل بهذه الآية، فان الأمر لو كان عين النهى عن الضد، لكان وروده عقيبه تكراراً. وفي كلام الزمخشري ما يدل على أنه وهم، فاعتقد أن النهى في الآية قبل الأمر، وذلك سهو وغفلة، وكل مأخوذ من قوله ومتروك إلا المعصوم: وأما قوله: إن الإيفاء حسن في العقول، فتفريع على قاعدة التحسين والتقبيح، وقد سبق بطلانها، وبينا أن التحسين والتقبيح موظفان من الشرع، ولا مجال العقل في حكم سمعي.]] فما فائدة قوله أوفوا؟ قلت: نهوا أولا عن عين القبيح الذي كانوا عليه من نقص المكيال والميزان، لأنّ في التصريح بالقبيح نعياً على المنهي وتعييراً له، ثم ورد الأمر بالإيفاء الذي هو حسن في العقول مصرحاً بلفظه، لزيادة ترغيب فيه وبعث عليه، وجيء به مقيداً بالقسط: أى ليكن الإيفاء على وجه العدل والتسوية، من غير زيادة ولا نقصان، أمراً بما هو الواجب، لأن ما جاوز العدل فضل وأمر مندوب إليه. وفيه توقيف على أنّ الموفى عليه أن ينوى بالوفاء بالقسط، لأنّ الإيفاء وجه حسنه أنه قسط وعدل، فهذه ثلاث فوائد.
البخس: الهضم والنقص. ويقال للمكس: البخس. قال زهير: وَفِى كُلِّ مَا بَاعَ امْرُؤٌ بَخْسُ دِرْهَمِ [[أفى كل أسواق العراق إتاوة ... وما كل ما باع امرؤ مكس درهم
ألا تستحي منا ملوك وتتقى ... محارمنا لا تتقى الدم بالدم
لزهير. وقيل: لجابر بن حيي التغلبي، والاستفهام للتعجب أو للتوبيخ، والاتاوة كالكتابة: الرشوة والجعالة:
يقال: أتوته أأتوه أتوا وإتاوة: أعطيته الخراج، فهي في الأصل مصدر. والمكس: ما يأخذه العشار. ويروى «بخس درهم» أى نقص درهم» وكان أهل العراق يفعلون ذلك في أسواقهم مع العرب وغيرهم، فقال زهير: لا ينبغي ذلك. و «ألا» في الأصل مركبة من همزة الاستفهام التوبيخي ولا النافية، فصارت أداة تحضيض. ويقال: استحيا واستحى كما هنا، بنقل حركة الياء إلى الحاء وحذفها، أى: لتستح منا الملوك، وتتوقى عقوبة التعرض لمحارمنا وأموالنا، لئلا تتوقى القتل منا لهم بقتلنا لبعضهم، أى لئلا ترجع إلا بذلك، أو لئلا تتوقى أخذ الدم بدل الدم.
وروى «ألا يستحى منا المليك ويتقى» إلى آخره، وهو لغة في الملك، والمراد به ملك العراق.]]
وروى: مكس درهم، وكانوا يأخذون من كل شيء يباع شيئاً، كما تفعل السماسرة. أو كانوا يمكسون الناس. أو كانوا ينقصون من أثمان ما يشترون من الأشياء، فنهوا عن ذلك. والعثى في الأرض نحو السرقة والغارة وقطع السبيل. ويجوز أن يجعل التطفيف والبخس عثيا منهم في الأرض بَقِيَّتُ اللَّهِ ما يبقى لكم من الحلال [[قال محمود: «بقية الله ما يبقى لكم من الحلال ... الخ» قال أحمد: المنقول عن المعتزلة أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، لا نهيا ولا أمرا، وقد جوز بعضهم خطابهم بالنهى. وهذه الآية تدل على أنهم مخاطبون في حال الكفر بشرط الايمان، وقد قررها الزمخشري على ذلك.]] بعد التنزه عما هو حرام عليكم خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بشرط أن تؤمنوا، وإنما خوطبوا بترك التطفيف والبخس والفساد في الأرض وهم كفرة بشرط الإيمان. فإن قلت: بقية الله خير للكفرة، لأنهم يسلمون معها من تبعة البخس [[عاد كلامه. قال: «فان قلت بقية الله خير للكفرة لأنهم يسلمون معها من تبعة البخس ... الخ» قال أحمد: وهذا أيضا من إقرار الزمخشري للآية على ظاهرها، ومعنى السؤال: أن الكفار إذا قدرنا خطابهم بالفروع، انتفعوا باجتناب المنهيات في الدار الآخرة، لأن ثمرة الخلاف في مسألة خطاب الكفار إنما تظهر في الدار الآخرة، وإذا كانوا ينتفعون بذلك فلا معنى لاشتراط الايمان والحال مع وجوده وعدمه في الانتفاع بالامتثال سواء. ومعنى الجواب: أن ظهور الانتفاع بالامتثال إنما يتحقق مع الايمان، وأما مع الكفر فهم مخلدون في العذاب، فإنما تظهر الفائدة على خفاء في تحقيق مأمن العذاب، والله الموفق.]] والتطفيف، فلم شرط الإيمان؟ قلت: لظهور فائدتها مع الإيمان من حصول الثواب مع النجاة من العقاب، وخفاء فائدتها مع فقده لانغماس صاحبها في غمرات الكفر.
وفي ذلك استعظام للإيمان، وتنبيه على جلالة شأنه. ويجوز أن يراد: إن كنتم مصدقين لي فيما أقول لكم وأنصح به إياكم. ويجوز أن يراد. ما يبقى لكم عند الله من الطاعات خير [[عاد كلامه. قال: «ويجوز أن يراد ما يبقى لكم من الطاعات عند الله ... الخ» قال أحمد: قد تقدم أن عقيدة أهل السنة: أن لا خالق ولا رازق إلا الله، إيمانا بقوله هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ وإذا كان الرزق عبارة عن كل ما يقيم به الخلق بنيتهم، لزم اندراج الحرام في هذا الإطلاق عقداً وحقيقة. وأما إطلاق القول بإضافته على الخصوص إلى الله تعالى، فأمر خارج عن الاعتقاد راجع إلى الاتباع، والله الموفق.]] لكم، كقوله وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ وإضافة البقية إلى الله من حيث أنها رزقه الذي يجوز أن يضاف إليه. وأمّا الحرام فلا يضاف إلى الله ولا يسمى رزقاً [[قوله «ولا يسمى رزقا» هذا مذهب المعتزلة وأما مذهب أهل السنة فالرزق ما ينتفع به ولو حراماً. (ع)]] ، وإذا أريد بها الطاعة فكما تقول: طاعة الله. وقرئ: تقية الله، بالتاء وهي تقواه ومراقبته التي تصرف عن المعاصي والقبائح وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ وما بعثت لأحفظ عليكم أعمالكم وأجازيكم عليها، وإنما بعثت مبلغاً ومنبهاً على الخير وناصحاً، وقد أعذرت حين أنذرت.
{"ayahs_start":84,"ayahs":["۞ وَإِلَىٰ مَدۡیَنَ أَخَاهُمۡ شُعَیۡبࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُوا۟ ٱلۡمِكۡیَالَ وَٱلۡمِیزَانَۖ إِنِّیۤ أَرَىٰكُم بِخَیۡرࣲ وَإِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمࣲ مُّحِیطࣲ","وَیَـٰقَوۡمِ أَوۡفُوا۟ ٱلۡمِكۡیَالَ وَٱلۡمِیزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا تَبۡخَسُوا۟ ٱلنَّاسَ أَشۡیَاۤءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِینَ","بَقِیَّتُ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَۚ وَمَاۤ أَنَا۠ عَلَیۡكُم بِحَفِیظࣲ"],"ayah":"۞ وَإِلَىٰ مَدۡیَنَ أَخَاهُمۡ شُعَیۡبࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُوا۟ ٱلۡمِكۡیَالَ وَٱلۡمِیزَانَۖ إِنِّیۤ أَرَىٰكُم بِخَیۡرࣲ وَإِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمࣲ مُّحِیطࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق