الباحث القرآني

أَرَأَيْتُمْ أخبرونى إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ على برهان مِنْ رَبِّي وشاهد منه يشهد بصحة دعواي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ بإيتاء البينة على أن البينة في نفسها هي الرحمة، ويجوز أن يريد بالبينة: المعجزة، وبالرحمة: النبوّة. فإن قلت: فقوله فَعُمِّيَتْ ظاهر على الوجه الأوّل، فما وجهه على الوجه الثاني؟ وحقه أن يقال فعميتا؟ قلت: الوجه أن يقدّر فعميت بعد البينة، وأن يكون حذفه للاقتصار على ذكره مرة: ومعنى عميت خفيت. وقرئ: فعميت بمعنى أخفيت. وفي قراءة أبى: فعماها عليكم. فإن قلت: فما حقيقته؟ قلت: حقيقته أن الحجة كما جعلت بصيرة ومبصرة جعلت عمياء، لأنّ الأعمى لا يهتدى ولا يهدى غيره، فمعنى فعميت عليكم البينة فلم تهدكم، كما لو عمى على القوم دليلهم في المفازة بقوا بغير هاد. فإن قلت: فما معنى قراءة أبىّ؟ قلت: المعنى أنهم صمموا على الإعراض عنها فخلاهم الله [[قوله «فخلاهم الله» لم يفسره بمعنى أخفاها، لأن الله لا يفعل الشر عند المعتزلة، وعند أهل السنة يفعل كل ممكن. (ع)]] وتصميمهم، فجعلت تلك التخلية تعمية منه، والدليل عليه قوله أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ يعنى أنكرهكم على قبولها ونقسركم على الاهتداء بها، وأنتم تكرهونها ولا تختارونها، ولا إكراه في الدين؟ وقد جيء بضميري المفعولين متصلين جميعاً. ويجوز أن يكون الثاني منفصلا كقولك: أنلزمكم إياها. ونحوه فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ويجوز: فسيكفيك إياهم. وحكى عن أبى عمرو إسكان الميم. ووجهه أنّ الحركة لم تكن إلا خلسة خفيفة، فظنها الراوي سكونا. والإسكان الصريح لحن عند الخليل وسيبويه وحذاق البصريين، لأن الحركة الإعرابية لا يسوغ طرحها إلا في ضرورة الشعر. والضمير في قوله لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ راجع إلى قوله لهم إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ. وقرئ: وما أنا بطارد الذين آمنوا، بالتنوين على الأصل. فإن قلت: ما معنى قوله إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ؟ قلت: معناه أنهم يلاقون الله فيعاقب من طردهم. أو يلاقونه فيجازيهم على ما في قلوبهم من إيمان صحيح ثابت، كما ظهر لي منهم وما أعرف غيره منهم. أو على خلاف ذلك مما تقرفونهم به [[قوله «ذلك مما تقرفونهم به» أى ترمونهم وتعيبونهم. أفاده الصحاح. (ع)]] من بناء إيمانهم على بادىء الرأى من غير نظر وتفكر. وما علىّ أن أشق عن قلوبهم وأ تعرّف سر ذلك منهم حتى أطردهم إن كان الأمر كما تزعمون. ونحوه وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ الآية. أو هم مصدقون بلقاء ربهم موقنون به عالمون أنهم ملاقوه لا محالة تَجْهَلُونَ تتسافهون على المؤمنين وتدعونهم أراذل، من قوله: أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا [[ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا لعمرو بن كلثوم من معلقته، و «ألا» استفتاحية تفيد التوكيد- و «لا» ناهية. والنون لتوكيد النهى. أى: لا يسفهن أحد علينا ويبدأنا بالشر، ونجهل: نصب بأن مضمرة بعد فاء السببية لأنه بعد النهى. وسمى جزاء الجهل جهلا مشاكلة، أى: فنجازيه فوق فعله بنا، أو فوق جهل كل جاهل وزيادة عليه.]] أو تجهلون بلقاء ربكم. أو تجهلون أنهم خير منكم مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ من يمنعني من انتقامه إِنْ طَرَدْتُهُمْ وكانوا يسألونه أن يطردهم ليؤمنوا به، أنفة من أن يكونوا معهم على سواء أَعْلَمُ الْغَيْبَ معطوف على عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ أى لا أقول عندي خزائن الله، ولا أقول: أنا أعلم الغيب. ومعناه: لا أقول لكم: عندي خزائن الله فأدعى فضلا عليكم في الغنى، حتى تجحدوا فضلى بقولكم وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ ولا أدعى علم الغيب حتى تنسبونى إلى الكذب والافتراء، أو حتى أطلع على ما في نفوس أتباعى وضمائر قلوبهم وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ حتى تقولوا لي ما أنت إلا بشر مثلنا، ولا أحكم على من استرذلتم من المؤمنين لفقرهم أن الله لن يؤتيهم خيراً في الدنيا والآخرة لهوانهم عليه، كما تقولون، مساعدة لكم ونزولا على هواكم إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ إن قلت شيئاً من ذلك، والازدراء: افتعال من زرى عليه إذا عابه. وأزرى به: قصر به، يقال ازدرته عينه، واقتحمته عينه. جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا معناه: أردت جدالنا وشرعت فيه فأكثرته، كقولك: جاد فلان فأكثر وأطاب فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب المعجل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب