الباحث القرآني

* الإعراب: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) جملة مستأنفة مسوقة لترغيب المؤمنين بالجهاد وذلك ببيان فضيلته وما يترتب على الاستشهاد في سبيل الله وإن واسمها وجملة اشترى خبرها ومن المؤمنين جار ومجرور متعلقان باشترى وأنفسهم مفعول به وأموالهم عطف على أنفسهم. (بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) الباء ومدخولها متعلقة باشترى وسيأتي المزيد من حقيقة هذه الشروى في البلاغة ولهم خبر ان المقدم والجنة اسمها المؤخر. (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) جملة مستأنفة لا لبيان نفس الاشتراء لأن قتالهم في سبيل الله ليس باشتراء من الله أنفسهم وأموالهم بل لبيان البيع الذي يستدعيه الاشتراء المذكور كأنه قيل كيف يبيعونها بالجنة فقيل يقاتلون، وفي سبيل الله جار ومجرور متعلقان بيقاتلون. (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) الفاء عاطفة ويقتلون بالبناء للمعلوم ويقتلون بالبناء للمجهول معطوفان على يقاتلون ووعدا وحقا مصدران منصوبان بفعلهما المحذوف أي وعدهم وعدا وحق ذلك الوعد حقا وفي التوراة جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لوعدا أي وعدا كائنا ومذكورا في التوراة ويجوز أن يعلق باشتروا، والإنجيل والقرآن معطوفان على التوراة. (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) الواو استئنافية أو عاطفة ومن اسم استفهام مبتدأ وأوفى خبره وبعهده ومن الله متعلقان بأوفى. (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الفاء الفصيحة واستبشروا فعل أمر وفاعل وببيعكم جار ومجرور متعلقان باستبشروا والذي صفة وبايعتم به صلة وذلك مبتدأ وهو ضمير فصل أو مبتدأ ثان والفوز خبر ذلك أو خبر هو والعظيم صفة. (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أخبار لمبتدأ محذوف أي هم التائبون العابدون إلخ أي على المدح وجوز الزجاج أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي التائبون العابدون من أهل الجنة أيضا وان ثم يجاهدوا وقيل هو رفع على البدل من الواو في يقاتلون وحاصل ما ذكر أوصاف تسعة: الستة الاولى تتعلق بمعاملة الخالق والسابع والثامن يتعلق بمعاملة المخلوقين والتاسع يعم القبيلين. وبشر المؤمنين الواو عاطفة وبشر فعل أمر وفاعل مستتر والمؤمنين مفعول به. * البلاغة: انطوت هذه الآيات على أنواع من البلاغة نوردها فيما يلي: 1- الاستعارة المكنية التبعية في قوله تعالى: «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة» فقد استعار الشراء لقبول الله تعالى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم التي بذلوها في سبيله وإثابته إياهم بمقابلتها بالجنة ثم جعل المبيع الذي هو العمدة والمقصد في العقد أنفس المؤمنين وأموالهم وجعل الثمن الذي هو الوسيلة في الصفقة الجنة. 2- الالتفات بقوله «فاستبشروا» زيادة في سرورهم والفاء الفصيحة لترتيب الأمر به على ما قبله وجعله بمثابة الشرط له والسين ليست للطلب بل للمطاوعة كاستوقد. 3- التذييل وهو أن يذيل المتكلم كلامه بعد تمام معناه بجملة تحقق ما قبلها وتلك الزيادة على ضربين: آ- ضرب لا يزيد على المعنى الأول وإنما يؤكده ويحققه. ب- وضرب يخرجه المتكلم مخرج المثل السائر ليشتهر المعنى لكثرة دورانه على الألسنة وقد جاء في هذه الآية الكريمة الضربان: آ- قوله: «وعدا عليه حقا» فإن الكلام قد تم وكمل قبل ذلك ثم أتت جملة التذييل لتحقق ما قبلها وتؤكده. ب- قوله: «ومن أوفى بعهده من الله» مخرجا ذلك مخرج المثل فسبحان المتكلم بمثل هذا الكلام. * الفوائد: 1- واو الثمانية: عدّد الله تسعة أوصاف ولم ينسقها بالواو حتى إذا كان الثامن أدخل الواو وذلك لسر في كلامهم وهو أن للعرب واوا سموها واو الثمانية وهي تدخل على ما كان ثامنا، كذا قرر بعض العلماء ورد عليهم آخرون وأكثروا وأطالوا ولما كان الكلام في هذا الصدد لا يخلو من متعة وفائدة نرى من الأولى تلخيصه بما يلي: استدل المثبتون لهذه الواو بقوله تعالى «وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها» فأتى بالواو هنا ولم يأت بها في ذكر جهنم لأن للنار سبعة أبواب وللجنة ثمانية، وفي قوله تعالى «ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم» وقد منع بعض المحققين هذا وقال: إنما تقع بين المتضادين لأن الثيّبات غير الأبكار في قوله تعالى «ثيبات وأبكارا» ولأن الآمرين ضد الناهين في الآية التي نحن بصدد الحديث عنها. قال أبو حيان: والصفات إذا تكررت وكانت للمدح أو الذم أو الترّحم جاز فيها الاتباع للمنعوت والقطع في كلّها أو بعضها، وإذا تباين ما بين الوصفين جاز العطف، ولما كان الأمر مباينا للنهي، إذ الأمر طلب فعل، والنهي ترك فعل، حسن العطف في قوله والناهون، ودعوى الزيادة أو واو الثمانة ضعيف وقال في قصة أهل الكهف: إنه إنما أتى بالواو مع الثمانية لأن القول الثالث أقرب إلى الحق أو هو الحق لأنه قال في القولين «رجما بالغيب» وفي الثالث قال: «قل ربي أعلم بعدتهم» وقال في قصة أهل الجنة واثبت الواو لأن أبواب جهنم لا تفتح إلا عند دخول أهلها زيادة في الضيق على من بها وأما أبواب الجنة فتفتح لأهلها قبل دخولهم إليها إكراما لهم لقوله تعالى «جنات عدن مفتحة لهم الأبواب» قال الشيخ جمال الدين بن الحاجب رحمة الله: ان القاضي الفاضل كان يعتقد زيادة الواو في هذه الآية يعني «ثيبات وأبكارا» ويقول هي واو الثمانية إلى أن ذكر ذلك بحضرة الشيخ أبي الجود المقري فبين له أنه وهم وأن الضرورة تدعو إلى دخولهاهنا وإلا فسد المعنى بخلاف واو الثمانية فإنه يؤتى بها لا لحاجة فقال: أرشدتنا با أبا الجود. نقول وممن اعترف بواو الثمانية الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير وقال: إن الواو في قوله تعالى «وثامنهم كلبهم» هي واو الثمانية. وسيأتي مزيد بحث عنها عند الكلام على هذه الآيات في مواضعها. السائحون: اختلف العلماء في الصفة الثالثة وهي السائحون وأصح الأقوال انهم الصائمون شبّهوا بذوي السياحة في الأرض في امتناعهم من شهواتهم وقيل هم طلبة العلم يطلبونه في مظانه ويضربون في مناكب الأرض لتحصيله وفي القاموس: والسياحة بالكسر الذهاب في الأرض للعبادة ومنه المسيح بن مريم. والسائح الصائم الملازم للسياحة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب