الباحث القرآني

* اللغة: (تَصَدَّى) أصلها تتصدى أي تتعرض بالإقبال عليه والمصاداة المعارضة ويقال: تصدى أي تعرض وأصله تصدد من الصدد وهو ما استقبلك وصار قبالتك فأبدل أحد الأمثال حرف علّة وقيل هو من الصدى وهو الصوت المسموع في الأماكن الخالية والأجرام الصلبة وقيل من الصدى وهو العطش والمعنى على التعرّض. * الإعراب: (عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) عبس وتولى فعلان ماضيان مبنيان على الفتح وفاعلهما مستتر تقديره هو وإنما جيء في هذين الموضعين وفي موضع ثالث بعدهما إجلالا له عليه الصلاة والسلام ولطفا به لما في المشافهة والمجابهة بتاء الخطاب ما لا يخفى، وأن جاءه في موضع نصب مفعول لأجله وناصبه إما عبس وإما تولى، وجاءه فعل ماض ومفعول به والأعمى فاعل والأولى أن يقال أن وما بعدها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض والجار والمجرور متعلقان بعبس لأن المجيء ليس من أفعال القلوب فاحتل شرط من شروط نصب المفعول لأجله (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) الواو عاطفة وما اسم استفهام في محل رفع مبتدأ وجملة يدريك خبر والكاف في موضع المفعول الأول ليدري وجملة الترجّي في موضع المفعول الثاني، ولعله لعلّ واسمها وجملة يزّكّى أي يتطهر خبر لعل وقيل مفعول يدريك الثاني محذوف مقدّر والتقدير وما يدريك أمره ومغبة حاله وجملة لعله يزكّى ابتدائية وأو حرف عطف ويذكر عطف على يزّكّى والفاء هي فاء السببية وتنفعه فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية والهاء مفعول به والذكرى فاعل، وقرىء فتنفعه بالرفع على أن الفاء عاطفة وتنفعه بالرفع عطف على أو يذكر (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) أما حرف شرط وتفصيل ومن اسم موصول مبتدأ وجملة استغنى صلة لا محل لها والفاء رابطة وأنت ضمير بارز منفصل في محل رفع مبتدأ وله متعلقان بتصدى وجملة تصدى خبر أنت والجملة الاسمية خبر من والواو حالية وما نافية وعليك خبر مقدم وأن وما في حيّزها مبتدأ مؤخر أي ليس عليك بأس في عدم تزكيته بالإسلام، واختار أبو حيان أن تكون ما استفهامية للإنكار فتكون مبتدأ وعليك خبرها وألا يزكّى منصوب بنزع الخافض والجار والمجرور متعلقان بما تعلق به عليك أي الاستقرار والجملة حال من الضمير في تصدى (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى، وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) الواو عاطفة وأما حرف شرط وتفصيل ومن اسم موصول في محل رفع مبتدأ وجملة جاءك لا محل لها لأنها صلة من وجملة يسعى حال من فاعل جاءك والواو حالية وهو مبتدأ وجملة يخشى خبر والجملة حال من فاعل يسعى فهي حال متداخلة والفاء رابطة لجواب أما وأنت مبتدأ وعنه متعلقان بتلهى وتلهى أي تتلهى فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر تقديره أنت والجملة خبر وجملة أنت عنه تلهى خبر من أي تتشاغل أي هو من لهى بكذا يلهى أي تشاغل به وليس هو من اللهو في شيء لأنه مسند إلى ضمير النبي ولا يليق بمنصبه الكريم أن ينسب إليه الفعل من اللهو بخلاف الاشتغال فإنه يجوز أن يصدر عنه في بعض الأحيان، وفي القاموس «لها لهوا لعب كالتهى وألهاه ذلك ولهي به كرضي أحبه، وعنه سلا وغفل وترك ذكره ولها كدعا لهّيا ولهيانا وتلهى» (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) كلا حرف ردع وزجر لكل إنسان عن ارتكاب مثل المعاتب عليه، روي أنه عليه السلام ما عبس بعد ذلك في وجه فقير قطّ ولا تصدى لغني، وإن واسمها وتذكرة خبر إن والضمير للموعظة أو السورة والفاء اعتراضية ومن اسم شرط جازم مبتدأ وشاء فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وفاعله هو والمفعول محذوف أي الاتعاظ وذكره فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به وهو في محل جزم جواب الشرط والجملة اعتراضية لا محل لها (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ) في صحف خبر ثان لإنها ومكرمة وما بعدها نعت لصحف وبأيدي نعت أيضا أو خبر لمبتدأ محذوف وسفرة مضاف إليه وما بعده نعت والسفرة جمع سافر وهو الكاتب ومثله كاتب وكتبة وسفرت بين القوم أسفر سفارة أصلحت بينهم وفي المختار: «وسفر الكتاب كتبه وبابه ضرب» . (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) الجملة دعائية لا محل لها ومعنى قتل لعن وعذب والإنسان نائب فاعل وما نكرة تامة بمعنى شيء في محل رفع مبتدأ وأكفر فعل ماض وفاعله مستتر وجوبا تقديره هو «هنا خاصة» والهاء مفعول به، قالوا: قاتله الله ما أخبثه وأخزاه الله ما أظلمه والمعنى أعجبوا من كفر الإنسان بجميع ما ذكرنا بعد هذا، وقيل ما استفهامية مبتدأ وجملة أكفره خبر أي أيّ شيء دعاه إلى الكفر وهو استفهام توبيخ ولا داعي لهذا لأنه تعجب من إفراطه في كفره والتعجب بالنسبة إلى المخلوقين إذ هو مستحيل في حق الله تعالى أي هو ممن يقال فيه ما أكفره وللزمخشري عبارة مستحسنة قال «ما أكفره تعجب من إفراطه في كفران النعمة ولا ترى أسلوبا أغلظ منه ولا أخشن مسّا ولا أدلّ على سخط ولا أبعد شوطا في المذمّة مع تقارب طرفيه ولا أجمع للأئمة على قصر متنه» . * الفوائد: روى التاريخ: أن عبد الله بن أم مكتوم بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي، وأم مكتوم أم أبيه واسمها عاتكة بنت عامر المخزومي وهو ابن خالة خديجة بنت خويلد، الذي في النووي على مسلم أن ابن أم مكتوم اسمه عبد الله بن عمرو وأم مكتوم زوجة عمرو فهي أم عبد الله وقيل اسمه عمرو واسم أبيه زائد، جاءه وعنده صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم أولئك الأشراف الذين كان يخاطبهم فيتأيّد بهم الإسلام ويسلم بإسلامهم أتباعهم فتعلو كلمة الله تعالى فقال: يا رسول الله أقرئني وعلّمني مما علّمك الله تعالى وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله بالقوم فكره رسول الله صلّى الله عليه وسلم قطعه لكلامه وعبس وأعرض عنه فنزلت فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يكرمه ويقول إذا رآه: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ويقول له: هل لك من حاجة واستخلفه على المدينة مرتين. قال القرطبي: «وهذا كله غلط من المفسرين لأن أمية والوليد كانا بمكة وابن أم مكتوم كان بالمدينة ما حضر معهما وماتا كافرين أحدهما قبل الهجرة والآخر في بدر ولم يقصد قطّ أمية المدينة ولا حضر معه مفردا ولا مع أحد» . وقال أبو حيان: «والغلط من القرطبي كيف ينفي حضور ابن أم مكتوم معهما وهو وهم منه وكلهم من قريش وكان ابن أم مكتوم بها والسورة مكية كلها بالإجماع وكيف يقول: وابن أم مكتوم بالمدينة كان أولا بمكة ثم هاجر إلى المدينة وكانوا جميعا بمكة حين نزول هذه الآية» . وهناك رواية أخرى ذهب إليها بعضهم وهي أن المحدّث عنه بالعبوس ليس النبي صلّى الله عليه وسلم بل هو رجل من بني أمية وهو الذي عبس لما أتى ابن أم مكتوم لأن العبوس كما يقول الشريف المرتضى ليس من صفاته صلّى الله عليه وسلم مع الأعداء المباينين فضلا عن المؤمنين المسترشدين. وهذا كله يراه القارئ في المطولات فليرجع إليها إن شاء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب