* الإعراب:
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تقدم إعرابها (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) استجيبوا فعل أمر وفاعل، ولله جار ومجرور متعلقان باستجيبوا، وللرسول عطف على لله، وإذا ظرف مستقبل، وجملة دعاكم في محل جر بالإضافة، ولما جار ومجرور متعلقان بدعاكم، وجملة يحييكم صلة ما. واختلفوا في قوله «لما يحييكم» ، والأصح أنه عام شامل لكل ما فيه حياة القلوب والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) واعلموا عطف على استجيبوا، وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي اعلموا، وجملة يحول خبر أن، وبين ظرف متعلق بيحول، والمرء مضاف إليه، وقلبه عطف على المرء. وسيأتي معنى المجاز في حيلولة الله بين المرء وقلبه في باب البلاغة (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) عطف على أنّ الله، وإليه جار ومجرور متعلقان بتحشرون، وجملة تحشرون خبر أنّ (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) واتقوا عطف على استجيبوا واعلموا، وفتنة مفعول به، وجملة لا تصيبن صفة لفتنة، و «لا» على ذلك نافية، ويجوز أن تكون معمولا لقول محذوف، وتكون لا ناهية، وذلك القول هو الصفة، أي: فتنة مقولا فيها: لا تصيبن، والنهي في الصورة للمصيبة، وفي المعنى للمخاطبين، وقد أعربها الزمخشري إعرابا جميلا حيث قال: ما نصه بالحرف: وقوله: «لا تصيبن» لا يخلو من أن يكون جوابا للأمر أو نهيا بعد أمر، أو صفة لفتنة. فإذا كان جوابا فالمعنى إن أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم.
وهذا كما يحكى أن علماء بني إسرائيل نهوا عن المنكر تعذيرا فغمهم الله بالعذاب. وإذا كانت نهيا بعد أمر فكأنه قيل واحذروا ذنبا أو عقابا ثم، قيل: لا تتعرضوا للظلم فيصيب العقاب أو أثر الذنب ووباله من ظلم منكم خاصة، وكذلك إذا جعلته صفة على إرادة القول، كأنه قيل، واتقوا فتنة مقولا فيها لا تصيبن، ونظيره قوله:
حتى إذا جنّ الظلام واختلط ... جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قطّ
والذين مفعول به، وجملة ظلموا صلة، ومنكم حال، وخاصة منصوبة على الحال من الفاعل المستتر في قوله: لا تصيبن، وأصلها أن تكون صفة لمصدر محذوف، تقديره: إصابة خاصة (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) أن وما في حيزها سدت مسد مفعولي اعلموا (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) واذكروا عطف على اعلموا، وإذ نصب الظرف هنا على أنه مفعول به لا ظرف، أي: اذكروا وقت كونكم أقلة مستضعفين، وجملة أنتم قليل مضافة للظرف، وأنتم مبتدأ أخبر عنه بثلاثة أخبار، وهي قليل ومستضعفون وفي الأرض (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) جملة تخافون صفة كالتي قبلها، أي: خائفون، ويجوز أن تكون حالا من الضمير في «قليل» و «مستضعفون» ، وأن وما في حيزها مفعول تخافون، والناس فاعل يتخطفكم (فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الفاء عاطفة، وآواكم فعل ماض وفاعل مستتر، وعطف عليه ما بعده، ولعل واسمها، وجملة تشكرون خبرها.
* الفوائد:
قال ابن هشام في المغني ما نصه: «قوله تعالى: «لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة» فإنه يجوز أن تقدر لا ناهية أو نافية، وعلى الأول فهي مقولة لقول محذوف هو الصفة، أي: فتنة مقولا فيها ذلك، ويرجحه أن توكيد الفعل بالنون بعد لا الناهية قياس، نحو:
«ولا تحسبن الله غافلا» وعلى الثاني فهي صفة لفتنة، ويرجحه سلامته من تقدير القيد الثاني صلاحيتها للاستغناء عنها، وخرج بذلك الصلة، وجملة الخبر، والجملة المحكية بالقول، فإنها لا يستغنى عنها، بمعنى أن معقولية القول متوقفة عليها.
وقال أبو حيان: «والجملة من قوله «لا تصيبن» خبرية صفة لقوله: «فتنة» ، أي: غير مصيبة الظالم خاصة. إلا أن دخول نون التوكيد على المنفي ب «لا» مختلف فيه، فالجمهور لا يجيزونه، ويحملون ما جاء منه على الضرورة أو الندور. والذي نختاره الجواز، وإليه ذهب بعض النحويين. وإذا كان قد جاء لحاقها الفعل منفيا ب «لا» مع الفصل، نحو قوله:
فلا ذا نعيم يتركن لنعيمه ... وإن قال قرّظني وخذ رشوة أبى ولا ذا بئيس يتركنّ لبؤسه ... فينفعه شكوى إليه إن اشتكى
فلأن تلحقه مع غير الفصل أولى، نحو: ولا تصيبن.
* البلاغة:
1- المجاز في قوله تعالى: «يحول بين المرء وقلبه» . فأصل الحول تغير الشيء وانفصاله عن غيره، وباعتبار التغير قيل: حال الشيء يحول، وباعتبار الانفصال قيل: حال بينهما فحقيقة كون الله يحول بين المرء وقلبه أنه يفصل بينهما، فهو مجاز مرسل عن غاية القرب من العبد، لأن من فصل بين شيئين كان أقرب إلى كل منهما من الآخر لاتصاله بهما، فالعلاقة المحلية أو السببية. ويجوز أن يكون الكلام استعارة تمثيلية لغاية قربه من العبد، واطلاعه على مكنونات القلوب وسرائر النفوس.
2- واختلف في «لا» من قوله تعالى: «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة» على قولين:
أ- أن «لا» ناهية، وهو نهي بعد أمر، أي: إنه كلام منقطع عما قبله، كقولك: صلّ الصبح ولا تضرب زيدا، فالأصل: اتقوا فتنة، أي: عذابا، ثم قيل: لا تتعرضوا للفتنة فتصيب الذين ... إلخ، وعلى هذا فالاصابة بالمتعرضين. وتوكيد الفعل بالنون واضح لاقترانه بحرف الطلب، مثل: «ولا تحسبنّ الله غافلا» ، ولكن وقوع الطلب صفة للنكرة ممتنع، فوجب إضمار القول، أي: واتقوا فتنة مقولا فيها ذلك، كما قيل في قوله: حتى إذا جن الظلام واختلط ... جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط
ب- أنها نافية، واختلف القائلون بذلك على قولين: أحدهما أن الجملة صفة لفتنة، ولا حاجة إلى إضمار قول، لأن الجملة خبرية.
فلا الجارة الدنيا بها تلحينّها ... ولا الضيف فيها إن أناخ محوّل
بل هو في الآية أسهل، لعدم الفصل، وهو فيهما سماعي. والذي جوزه تشبيه لا النافية بلا الناهية، وعلى هذا الوجه تكون الاصابة عامة للظالم وغيره لا خاصة بالظالمين، كما ذكره الزمخشري، لأنها قد وصفت بأنها لا تصيب الظالمين، خاصة، فكيف تكون مع هذا خاصة بهم! والثاني أن الفعل جواب الأمر، وعلى هذا فيكون التوكيد أيضا خارجا عن القياس وشاذا. وممن ذكر هذا الوجه الزمخشري، وهو فاسد، لأن المعنى حينئذ: فإنكم إن تتقوها لا تصب الظالم خاصة. وقوله: إن التقدير:
إن أصابتكم لا تصيب الظالم خاصة، مردود، لأن الشرط إنما يقدر من جنس الأمر، لا من جنس الجواب.
{"ayahs_start":24,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَجِیبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا یُحۡیِیكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَحُولُ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥۤ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ","وَٱتَّقُوا۟ فِتۡنَةࣰ لَّا تُصِیبَنَّ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنكُمۡ خَاۤصَّةࣰۖ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ","وَٱذۡكُرُوۤا۟ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِیلࣱ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن یَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَـَٔاوَىٰكُمۡ وَأَیَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَجِیبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا یُحۡیِیكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَحُولُ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥۤ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ"}