* الإعراب:
(هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) كلام مستأنف مسوق لبيان الحالة في ذلك اليوم وهذا مبتدأ ويوم خبره وجملة لا ينطقون في محل جر بإضافة الظرف إليها وقرئ بفتح الميم وهو نصب على الظرف وهو متعلق بمحذوف خبر هذا والواو حرف عطف ولا نافية ويؤذن فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر تقديره هو ولهم متعلقان بيؤذن والفاء حرف عطف ويعتذرون فعل مضارع معطوف على يؤذن منتظم في سلك النفي من غير تسبب عنه ولهذا لم ينصب لأنه لو نصب لكان مسببا عنه لا محالة، وعبارة السمين: «وفي رفع فيعتذرون وجهان: أحدهما أنه مستأنف أي فهم يعتذرون، قال أبو البقاء: ويكون المعنى أنهم لا ينطقون نطقا ينفعهم أو ينطقون في بعض المواقف ولا ينطقون في بعضها والثاني أنه معطوف على يؤذن فيكون منفيا ولو نصب لكان مسببا عنه» وقال البيضاوي: عطف يعتذرون على يؤذن ليدل على نفي الإذن والاعتذار عقبه مطلقا ولو جعله جوابا لدلّ على أن عدم اعتذارهم لعدم الإذن وأوهم ذلك أن لهم عذرا لكن لم يؤذن لهم فيه (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) تقدم إعرابها (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) الجملة مقول قول محذوف أي ويقال لهم هذا، وهذا مبتدأ، ويوم الفصل خبره وجملة جمعناكم مفسّرة موضّحة لقوله هذا يوم الفصل لأنه إذا كان يوم الفصل بين السعداء والأشقياء وبين الأنبياء وأممهم فلا بدّ من جمع الأولين والآخرين حتى يقع ذلك الفصل بينهم والواو عاطفة أو للمعية والأولين معطوف على الكاف أو مفعول معه (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) الفاء عاطفة وإن شرطية وكان فعل ماض ناقص ولكم خبرها المقدم وكيد اسمها المؤخر والفاء رابطة لجواب الشرطية لأنه جملة طلبية وكيدون فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والنون للوقاية وياء المتكلم المحذوفة مفعول به (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) تقدم إعرابها (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ) كلام مستأنف مسوق لذكر أحوال المؤمنين على سبيل الإيجاز بعد أن ذكر أحوال الكفّار على سبيل الإطناب ليتم التعادل بين هذه السورة والسورة التي قبلها وهي هل أتى على الإنسان فقد ذكر في تلك السورة أحوال الكفار على سبيل الإيجاز وأطنب في ذكر أحوال المؤمنين، وإن واسمها وفي ظلال خبرها وعيون عطف على ظلال (وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ) عطف على ظلال وعيون ومما نعت لفواكه وجملة يشتهون لا محل لها لأنها صلة (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
الجملة مقول قول محذوف وهذا المقول في محل نصب على الحال من ضمير المتقين في الظرف الذي هو في ظلال أي هم مستقرون في ظلال مقولا لهم ذلك وهنيئا تقدم إعرابها كثيرا أي حال أي متهنئين وبما متعلقان بهنيئا والباء سببية وما موصولة وجملة كنتم صلة وكان واسمها وجملة تعملون خبرها (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) تعليل للأمر بالأكل والشرب أي أن ذلك ديدننا ودأبنا نكافىء المحسن على إحسانه كما نجزي المسيء على مساءته، وإن واسمها وكذلك نعت مقدّم لمصدر محذوف وجملة نجزي خبر إنّا والمحسنين مفعول به (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) تقدم إعرابها (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) الجملة مقول قول محذوف وهذا المحذوف في محل نصب على الحال من المكذبين أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم كلوا وتمتعوا وكلوا فعل أمر مبني على حذف النون وتمتعوا عطف عليه وقليلا منصوب على الظرف الزمانية والتي لا تلبث أن تنتهي بموتكم ودثوركم وهو على كل حال ومهما امتد وأنسئ فيه قليل زائل، ووشيك مسرع، إذا ما قيس إلى مدد الآخرة وأيامها الطويلة، وجملة إنكم مجرمون تعليل للتهديد المفهوم من الأمر بالأكل والتمتع بظل زائل، ولون حائل، وسراب غرار، وإن واسمها ومجرمون خبرها. وعبارة الكشاف: «فإن قلت: كيف يصحّ أن يقال لهم ذلك في الآخرة؟ قلت: يقال لهم ذلك في الآخرة إيذانا بأنهم كانوا في الدنيا أحقاء بأن يقال لهم وكانوا من أهله تذكيرا بحالتهم السمجة وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل على النعيم والملك الخالد وفي طريقته قوله:
إخوتي لا تبعدوا أبدا ... وبلى والله قد بعدوا
يريد كنتم أحقاء في حياتكم بأن يدعى لكم بذلك وعلّل ذلك بكونهم مجرمين دلالة على أن كل مجرم ما له إلا الأكل والتمتع أياما قلائل ثم البقاء في الهلاك أبدا ويجوز أن يكون كلوا وتمتعوا كلاما مستأنفا خطابا للمكذبين في الدنيا» أي فيكون راجعا إلى ما قبل قوله إن المتقين وإلى هذا ذهب الجلال وأيده القرطبي وأبو حيان (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) تقدم إعرابها (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) الواو عاطفة متصلة بقوله للمكذبين كأنه قيل ويل للذين كذبوا والذين إذا قيل لهم اركعوا أو بقوله إنكم مجرمون على طريق الالتفات كأنه قيل هم أحرياء بأن يقال لهم كلوا وتمتعوا ثم بكونهم مجرمين وبكونهم إذا قيل لهم صلّوا لا يصلّون. وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة قيل في محل جر بإضافة الظرف إليها ولهم متعلقان بقيل وجملة اركعوا مقول القول وجملة لا يركعون لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) تقدم إعرابها (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) الفاء الفصيحة أي إن لم يؤمنوا بالقرآن فيؤمنون بأي شيء؟ وبأي متعلقان بيؤمنون وحديث مضاف إليه وبعده ظرف متعلق بمحذوف نعت لحديث ويؤمنون فعل مضارع مرفوع.
* البلاغة:
1- في قوله: «إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون» مجاز مرسل علاقته المحلية وهي الجنة لأن الظلال تمتد والعيون تجري والفواكه تنضج فيها.
2- وفي قوله: «وإذا قيل لهم اركعوا» مجاز مرسل أيضا علاقته البعضية لأنه سمّى الصلاة باسم جزء من أجزائها وهو الركوع وإنما خصّ الركوع بالذكر مع أن الصلاة تشتمل على أفعال كثيرة لأن العرب كانوا يأنفون من الركوع والسجود، قال مقاتل: نزلت في ثقيف قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم حطّ عنّا الصلاة فإنّا لا ننحني إنها مسبّة فأبى وقال: لا خير في دين لا صلاة فيه، وفي رواية لا ركوع فيه ولا سجود.
* الفوائد:
قال النحاة: في نحو «ما تأتينا فتحدّثنا» يجوز في الثاني النصب والرفع فالنصب من وجهين يجمعهما أن الثاني مخالف للأول فأحد المعنيين ما تأتينا محدّثا والوجه الآخر ما تأتينا فكيف تحدّثنا، وأما الرفع فعلى وجهين أحدهما أن يكون الفعل شريكا للأول داخلا معه في النفي كأنك قلت: ما تأتينا وما تحدّثنا فهما جملتان منفيتان والوجه الثاني أن يكون معنى ما تأتينا فتحدّثنا أي ما تأتينا فأنت تحدّثنا، قال تعالى: هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون أي فلا يعتذرون، ومنه قول جميل بن معمر العذري:
ألم تسأل الربع القواء فينطق ... وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق
فقد قطع ينطق مما بعده ورفعه على الاستئناف أي فهو ينطق على كل حال قال سيبويه: «لم يجعل الأول سبب الآخر ولكنه جعله ينطق على كل حال» .
{"ayahs_start":35,"ayahs":["هَـٰذَا یَوۡمُ لَا یَنطِقُونَ","وَلَا یُؤۡذَنُ لَهُمۡ فَیَعۡتَذِرُونَ","وَیۡلࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡمُكَذِّبِینَ","هَـٰذَا یَوۡمُ ٱلۡفَصۡلِۖ جَمَعۡنَـٰكُمۡ وَٱلۡأَوَّلِینَ","فَإِن كَانَ لَكُمۡ كَیۡدࣱ فَكِیدُونِ","وَیۡلࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡمُكَذِّبِینَ","إِنَّ ٱلۡمُتَّقِینَ فِی ظِلَـٰلࣲ وَعُیُونࣲ","وَفَوَ ٰكِهَ مِمَّا یَشۡتَهُونَ","كُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ هَنِیۤـَٔۢا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ","إِنَّا كَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُحۡسِنِینَ","وَیۡلࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡمُكَذِّبِینَ","كُلُوا۟ وَتَمَتَّعُوا۟ قَلِیلًا إِنَّكُم مُّجۡرِمُونَ","وَیۡلࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡمُكَذِّبِینَ","وَإِذَا قِیلَ لَهُمُ ٱرۡكَعُوا۟ لَا یَرۡكَعُونَ","وَیۡلࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡمُكَذِّبِینَ","فَبِأَیِّ حَدِیثِۭ بَعۡدَهُۥ یُؤۡمِنُونَ"],"ayah":"هَـٰذَا یَوۡمُ لَا یَنطِقُونَ"}