الباحث القرآني

* اللغة: (بَنانَهُ) البنان أطراف الأصابع جمع أو اسم جمع لبنانة قولان وفي المختار: «البنانة واحد البنان وهي أطراف الأصابع ويقال بنان مخضّب لأن كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء فإنه يؤنّث ويذكّر» . (بَرِقَ) يبرق من باب دخل برقا وبروقا وبرقانا وبريقا البرق: ظهر والشيء: لمع وتلألأ والسماء: بدا منها البرق والرجل: توعّد وبرق يبرق من باب تعب برقا تحيّر ودهش فلم يبصر وقد قرئ بهما معا. (خَسَفَ) أظلم وذهب ضوءه. (وَزَرَ) ملجأ يتحصن به وكل ما التجأت إليه من جبل أو غيره وتخلصت به فهو وزرك. * الإعراب: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) قال الزمخشري: إدخال لا على فعل القسم مستفيض في كلامهم وأشعارهم قال امرؤ القيس: ولا وأبيك ابنة العامريّ ... لا يدّعي القوم أني أفرّ وإنما كان دخول لا النافية قبل القسم شائعا في لسان العرب لأنه غالبا يكون لردّ دعوى الخصم ونفيها فالتقدير: ولا يحصل ذلك وحق أبيك، وقال غوية بن سلمى: ألا نادت أمامة باحتمال ... لتحزنني فلا بك ما أبالي وقال الزمخشري: «وفائدتها توكيد القسم وقالوا إنها صلة مثلها في «لئلا يعلم أهل الكتاب» واعترضوا عليه بأنها إنما تزاد في وسط الكلام لا في أوله، وأجابوا بأن القرآن في حكم سورة واحدة متصل بعضه ببعض والاعتراض صحيح لأنها لم تقع مزيدة إلا في وسط الكلام ولكن الجواب غير سديد، ألا ترى إلى امرئ القيس كيف زادها في مستهل قصيدته والوجه أن يقال هي للنفي والمعنى أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له يدلك على ذلك قوله تعالى: «فلا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم» فكأنه بإدخال حرف النفي يقول: إن إعظامي له بإقسامي به كلا إعظام يعني أنه يستأهل فوق ذلك وقيل إن لا نفي لكلام وردّ له قبل القسم كأنهم أنكروا البعث فقيل: لا أي ليس الأمر على ما ذكرتم ثم قيل أقسم بيوم القيامة» وقيل هي ردّ لكلامهم حيث أنكروا البعث كأنه قال: ليس الأمر كما ذكرتم أقسم بيوم القيامة، وهذا قول الفراء وكثير من النحويين. وقد تقدم الكلام عليها في الواقعة فجدّد به عهدا. وأقسم فعل مضارع مرفوع وفاعله ضمير مستتر تقديره أنا وبيوم القيامة متعلقان بأقسم (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) عطف على الجملة السابقة واللوّامة نعت للنفس أي التي تلوم نفسها في يوم القيامة على ما فرط منها من قصور أو التي لا تزال تلوم نفسها في الدنيا، وقد روي أنه عليه السّلام قال: «ليس من نفس برّة ولا فاجرة إلا وتلوم نفسها يوم القيامة إن عملت خيرا قالت: كيف لم أزدد وإن عملت شرّا قالت: ليتني كنت أقصرت عن الشر» وجواب القسم محذوف أي لتبعثنّ دلّ عليه ما بعده وهو: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) الهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي ويحسب فعل مضارع مرفوع والإنسان فاعل وأن مخفّفة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ولن وما في حيّزها في موضع الخبر والفاصل هنا حرف النفي وأن المخففة وما في حيّزها سادّة مسدّ مفعولي يحسب وعظامه مفعول نجمع للبعث والإحياء. قال النحّاس: وإنما خصّ العظام لأنها قالب الخلق. (بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) بلى حرف جواب وهو إيجاب لما بعد النفي المنسحب عليه الاستفهام وقادرين حال من فاعل الفعل المقدّر المدلول عليه بحرف الجواب أي بلى نجمعها قادرين وهذا هو الوجه، وقال بعضهم هو منصوب على أنه خبر كان مضمرة أي بلى كنّا قادرين في الابتداء وليس بذاك. وقرئ قادرون رفعا على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي بلى نحن قادرون، وعلى حرف جر وأن المصدرية وما في حيّزها في تأويل مصدر مجرور بعلى والجار والمجرور متعلقان بقادرين وفاعل نسوّي ضمير مستتر تقديره نحن وبنانه مفعول به. وعند سيبويه تنتصب قادرين بفعل مقدّر تقديره نجمعها قادرين. (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) بل حرف عطف للإضراب الانتقالي ويريد معطوف على أيحسب فيجوز أن يكون مثله استفهاما وأن يكون إيجابا ويجوز أن تكون بل لمجرد الإضراب الانتقالي من غير عطف كأنه أضرب عن الكلام الأول وأخذ في آخر، ويريد الإنسان فعل مضارع وفاعل ومفعول يريد محذوف والمعنى بل يريد الإنسان الثبات والديمومة على ما هو عليه من عدم التقيد بقيد الإيمان ليسترسل على فجوره ويدوم على غيّه واللام للتعليل ويفجر فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل وفاعله مستتر تقديره هو يعود على الإنسان وأمامه ظرف مكان استعير للزمان أي ليستمر في فجوره ويدوم عليه فيما بين يديه من الأوقات وفيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه ولا يتنصّل منه ولام التعليل متعلقة بيريد، وأعربه الجلال وغيره على وجه آخر خلاصته أن اللام زائدة ويفجر منصوب بأن مقدرة والمصدر المنسبك منه ومن أن مفعول يريد ولا داعي لزيادة اللام فالوجه الأول هو الصحيح (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) الجملة في موضع نصب على الحال أي يريد أن يستمر في فجوره في حال كونه سائلا على سبيل الاستهزاء أيان يوم القيامة وقيل مستأنفة وقال أبو البقاء تفسير ليفجر فتكون مفسّرة مستأنفة أو بدلا من الجملة قبلها لأن التفسير يكون بالاستئناف وبالبدل وأيان اسم استفهام في محل نصب على الظرفية الزمانية وهو متعلق بمحذوف في محل رفع خبر مقدّم ويوم القيامة مبتدأ مؤخر (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) الفاء استئنافية وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن متعلق بالجواب وهو يقول وجملة برق البصر جملة فعلية في محل جر بإضافة الظرف إليها (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) عطف على برق البصر وهو فعل ماض وفاعل (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) عطف أيضا داخل في حيز فعل الشرط وجمعهما من آيات الله الكبرى (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) جملة يقول الإنسان لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ويوم ظرف أضيف إلى مثله وهو متعلق بيقول والتنوين عوض عن جملة أي يوم إذ برق البصر إلخ وأين اسم استفهام في محل نصب ظرف مكان والظرف متعلق بمحذوف في محل رفع خبر مقدم والمفر مبتدأ مؤخر والمفر مصدر ميمي بمعنى الفرار او اسم مكان للفرار والأول مفتوح الفاء والثاني مكسورها وقد قرئ بهما (كَلَّا لا وَزَرَ) كلا حرف ردع وزجر عن طلب الفرار ولا نافية للجنس ووزر اسمها المبني على الفتح وخبرها محذوف أي موجود متاح لهم (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) إلى ربك خبر مقدم ويومئذ ظرف أضيف إلى مثله وهو متعلق بفعل مقدّر دلّ عليه المستقر أي يستقر الأمر إلى ربك يوم إذ كانت هذه الأمور المذكورة ولا يجوز أن يتعلق بالمستقر لأنه إن كان مصدرا فلتقدمه وإن كان مكانا فلا عمل له البتّة، والمستقر مبتدأ مؤخر (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) الجملة تفسيرية مستأنفة كما تقدم وينبأ فعل مضارع مبني للمجهول والإنسان نائب فاعل ويومئذ ظرف أضيف إلى مثله متعلق بينبأ وبما في موضع المفعول الثاني وجملة قدّم وأخّر المعطوفة عليها لا محل لها لأنها صلة ما أي يخبر الإنسان يوم إذ كانت هذه الأمور الثلاثة وهي برق البصر وخسف القمر والجمع بين الشمس والقمر بما قدّم من عمل عمله وبما أخّر منه لم يعمله (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) بل حرف عطف وإضراب انتقالي والإنسان مبتدأ وعلى نفسه متعلقان ببصيرة وبصيره يجوز فيها أن تكون خبرا للإنسان وهو الأرجح والمعنى بل الإنسان بصيرة على نفسه وعلى هذا يرد السؤال الآتي: لماذا أنّث الخبر؟ وقد اختلف النحاة في الإجابة فقال بعضهم الهاء فيه ليست للتأنيث بل للمبالغة وقال الأخفش: هو كقولك فلان عبرة وحجّة وقيل: المراد بالإنسان الجوارح فكأنه قال: بل جوارحه بصيرة أي شاهدة ويجوز أن تكون بصيرة مبتدأ مؤخرا وعلى نفسه خبرا مقدما والجملة خبر عن الإنسان وعلى هذا تكون بصيرة صفة لمحذوف أي عين بصيرة أو جوارح والتاء على هذا الوجه للتأنيث وإلى هذا ذهب الزمخشري فقال: «بصيرة: حجة بيّنة وصفت بالبصارة على المجاز كما وصفت الآيات بالإبصار في قوله: فلما جاءتهم آياتنا مبصرة، أو لأعين بصيرة» ويجوز أن يكون على نفسه خبرا وبصيرة فاعل به والأصل في الإخبار الإفراد والأوجه الثلاثة متساوية في القوة والأرجحية. (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) الواو حالية من الفاعل المستكن في بصيرة ولو شرطية وألقى فعل ماض وهو فعل الشرط وفاعله مستتر تقديره هو ومعاذيره مفعول به وجواب الشرط محذوف أي ما ساغت وما قبلت والمعاذير جمع معذرة على غير قياس كملاقيح ومذاكير جمع لقحة وذكر، وللنحويين في هذا ونحوه قولان: أحدهما أنه جمع للملفوظ به وهو لقحة والثاني أنه جمع لغير بملفوظ به بل مقدّر أي ملقحة ومذكار قال الزمخشري: «فإن قلت أليس قياس المعذرة أن يجمع على معاذر معاذير؟ قلت المعاذير ليست جمع معذرة بل اسم جمع لها ونحوه المناكير في المنكر» وقال أبو حيان معقبا: «وليس هذا البناء من أبنية اسم الجموع وإنما هو من أبنية جمع التكسير فهو كمذاكير وملاميح والمفرد منهما لمحة وذكر ولم يذهب أحد إلى أنهما من أسماء الجموع وقيل هما جمع للمحة وذكر على غير قياس أو هما جمع لمفرد لم ينطق به وهو مذكار وملمحة» (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) الجملة مقول قول محذوف مستأنف ولا ناهية وتحرك فعل مضارع مجزوم بلا وبه متعلقان بتحرك ولسانك مفعول به واللام لام التعليل وتعجل فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل واللام وما في حيّزها متعلقة بتحرك وبه متعلقان بتعجل والضمير للقرآن أي بقراءته وحفظه على عجلة لئلا يفلت منك، ثم علّل النهي عن العجلة بقوله: إن علينا جمعه. وإن وخبرها المقدّم واسمها المؤخر وقرآنه عطف على جمعه (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) الفاء عاطفة وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن وجملته قرأناه في محل جر بإضافة الظرف إليها والفاء رابطة لجواب إذا واتبع فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وقرآنه مفعول به أي فكن مقفيا فيه ولا تراسله وطامن نفسك أنه لا يبقى غير محفوظ (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي وإن حرف مشبه بالفعل وعلينا خبر إن المقدّم وبيانه اسم إن المؤخر. * البلاغة: في قوله: «لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوّامة» فن «صحة الأقسام» وسمّاه صاحب المثل السائر «التناسب بين المعاني» وقد مرّت أمثلة كثيرة منه في هذا الكتاب كما تحدّثنا عنه بإسهاب والآية التي نحن بصددها تعدّ من محاسن التقسيم لتناسب الأمرين المقسم بهما، فقد أقسم بيوم البعث أولا ثم أقسم بالنفوس المجزية فيه على حقيقة البعث والجزاء، فسبحان المتكلم بهذا الكلام.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب